أقلام

موضع دفن رأس الحسين عليه السلام

سيد جواد المهري

البحث هذه الأيام في موضع دفن رأس الحسين عليه السلام الأقوال فيه كثيرة، فقد قيل إن الرأس أُلحق بالجسد الطاهر في كربلاء، وقيل إنه مدفون بالنجف الأشرف أو الشام أو الكوفة أو الرقة أو عسقلان أو القاهرة أو مرو. وفي كل موضع قصة يحكونها.
وأما القول الذي عليه أكثر علماء الإمامية الأقدمين رضوان الله عليهم أن الإمام السجاد عليه السلام ألحق الرأس المبارك بالجسد. وقد اختلف في زمان الضمّ، والمشهور أنه كان في يوم الأربعين، حيث التقى بالصحابي المبجل جابر بن عبدالله الأنصاري.
وفي تلك الأيام أرجع الرأس إلى الجسد في كربلاء المقدسة.
ولكن لا يوجد دليل تاريخي على وقوع ذلك في الأربعين، ولذلك لا يهمنا التاريخ ولكن المهم أن الإمام السجاد عليه السلام في رجوعه مع القاقلة من الشام إلى المدينة المنورة، مروا على كربلاء، وهناك ردّ الإمام الرأس إلى الجسد.
وهناك من يدعي أن الرأس مدفون في النجف الأشرف بل ويلح على ذلك، ولو أن هناك روايات تؤيد ذلك، ولكن العلماء العظام رأوا هذه الروايات ولم يأخذ بها أحد منهم، إضافة إلى مشكلات في سندها ومجهولية كثير من رجالها، علماً بأن بعض الأحاديث تقول أن مكان الرأس ” ذكوات“ والبعض الآخر في أكمة بيضاء أو حمراء. وبعض قالوا في ” الجوف ” أو ” الجرف“ إضافة إلى رواية يونس بن ظبيان التي تحكي أمراً عجيباً فإنها لا تدل على بقاء الرأس بجانب قبر أمير المؤمنين عليه السلام، بل يستفاد منها أن الرأس قد ألحق بالبدن في كربلاء. ولو افترضنا صحة بعض هذه الأقوال كما جاء في المزار فيمكن القول بأنه حتى لو دفن الرأس في النجف فقد نقله الإمام السجاد عليه السلام في سفرته الأربعينية إلى كربلاء وإلى الجسد الطاهر.
وخلاصة القول أن الإجماع كان على إلحاق الرأس بالجسد في كربلاء. وإليكم بعض النماذج من تاريخ الإمامية وأعاظمنا الذين أكدوا على ذلك:
١- هل ما روي من حمل رأس مولانا الشهيد أبي عبد الله عليه السلام إلى الشام صحيح؟ وما الوجه فيه؟.
الجواب: هذا أمر قد رواه جميع الرواة والمصنفين في يوم الطف وأطبقوا عليه.
وقد رووا أيضاً ” أن الرأس أعيد بعد حمله إلى هناك ودفن مع الجسد بالطف.(رسائل الشريف المرتضى ج٣-١٣٠)
٢-يقول الفتال النيسابوري في روضة الواعظين (ص ١٩٣)
“إلى أن خرج علي بن الحسين عليهما السلام بالنسوة ورد رأس الحسين عليه السلام إلى كربلاء”.
٣- رُد الرأس الشريف للإمام الحسين صلوات الله عليه من الشام ودُفن مع الجسد الطاهر للإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، وقد قام الإمام زين العابدين عليه السلام بذلك بعدما أُفرج عنه والعائلة الشريفة. (بحار الأنوار: ٤٤-١٩٩) ؛ (أمالي الصدوق:٢٣٢ )؛ (وسائل الشيعة: ١٤-٤٠٣)” ( اللهوف ٢٢٥).
٤- ابن نما الحلي قدس سره: “والذي عليه المعوَّل من الأقوال أنه [أي الرأس الشريف] أعيد إلى الجسد بعد أن طيف به في البلاد، ودُفن معه”.
٥- ذكر السيد ابن طاووس أنّ عمل الطائفة على هذا المعنى ـ وهو ردّ الرأس الشريف إلى الجسد الطاهر في كربلاء، بل اعتبر التساؤل عن كيفية ضمّ الرأس الشريف إلى الجسد فيه نوع من الجهل وسوء الأدب، كالسؤال عن كيفية إحيائه بعد شهادته.
٦- تعرض ابن شهرآشوب أيضاً لذكر بعض الروايات، وهو مع ذلك أيضاً لم يذكر الاشتهار، ولم يُبدِ موقفه ورأيه في المسألة، ولم يذكر الإجماع، وإنّما حكى مسألة ردّ الرأس الشريف إلى الجسد عن السيد المرتضى في بعض رسائله.
وهذا غيض من فيض، فحتى كبار مؤرخي السنة وعلماءهم يذكرون الإلحاق بالجسد ولم أذكرها للاختصار. وبناء على كل هذا فإن الحاق الرأس الشريف بالجسد أمر مفروغ عنه، وكما يقول السيد ابن طاووس رحمه الله فمجرد التساؤل عن كيفية ضم الرأس إلى الجسد فيه نوع من الجهل وسوء الأدب.
وأما سبب عدم تعرض العلماء للمواقع الأخرى فربما كان فيه نفع للمسلمين عامة. فهناك الكثير من المناسبات الدينية والمجالس والمدائح تقام في مسجد رأس الحسين عليه السلام بالقاهرة، ووجود مراكز أخرى باسم مقام الرأس المبارك فيها نوع من إحياء الأمر. والله العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى