أقلام

ورقة نقدية استقرائية لشعر الأستاذ الشاعر لؤي بن حبيب الهلال

آدم بن علي الصالح

يسعدني في هذه الإطلالة البهيّة، وتحت مظلّة هذا الصّرح الجدير، وعلى طاولة هذا اللّقاء المبارك ؛إذ يدير رحى حواره الأستاذ الشاعر سيّد مجتبى المبارك..مستضيفاً شاعرنا الجميل الأستاذ الشّاعر المبهر لؤي بن حبيب الهلال ، شاكراً كلّ من أتاح لي فرصة التّواجد والمشاركة بورقة استئناسيّة وذلك لما وجدتُ من الأنس الزّاخر لقراءة دررٍ من شعر الهلال ،شاعرنا المتجلب بالجلال والجمال.
من هنا أبدي انطلاقة زورقي كي أعبر به عبر البناء الشّعريّ معرجاً على العمق الفكريّ لشاعرنا من خلال قصائده.
ولا شكّ أنّ بناء القصيدة يعدّ الأساس الأوّل لجودة ونجاح العمل الأدبيّ، ونقصد بذلك جودة السّبك اللغويّ والمعنويّ في طرق فنون اللغة والبلاغة من حيث المحسنات البديعيّة ومن استحضار وترميز وتناصّ ومجاز وغير ذلك…
وقد تزوّد شاعرنا من تلكم الفنون ليبدع تحفاً مرصّعةً بالجواهر والدرر، فنقرأ مثلاً:
يا ذا الزّمرد والسّما فيروزُه
والتفَّ حولك عاشقوك عقيقا
حملتك آمنةٌ ، فأيُّ عجيبة
أ ولمْ تكنْ من قبلها مخلوقا

فقد انهمرّ شاعرنا لؤي بالرّقة والعذوبة حينما ساقه حبّه وعشقُه للذّات النّبويّة إلى تحويل سمائه فيروزة عظيمة، والعاشقون تآلف جمعُهم حولها عقيقا، وأيّ جمالٍ ذاك الذي ينثال في استفهام البيت الثاني، حينما يُقدَّمُ لنا التّضادّ على آنيةٍ من عُجْبٍ عجيب:
حملتْكَ آمنةٌ، فأيُّ عجيبةٍ
أ ولمْ تكنْ من قبلها مخلوقا

كما نراه في قصيدة أخرى:
هي هكذا الأحساءُ أرضُ قداسةٍ
رحمٌ إذا انقبضتْ أسىً ولدتْ سَعةْ

أسلوبٌ تميّز به شاعرنا مجاراةً لكبار الشعراء مثل أبي القاسم الشّابّي:
أيها الحبّ أنت سرّ بلائي
وهمومي وروعتي وعنائي
ونحولي وأدمعي وعذابي
وسقامي ولوعتي وعذابي
أ لهيبٌ يثور في روضة النّفس
فيطفى، أم أنت نور السّماءِ
ليت شعري يا أيّها الحبّ، قل لي:
من ظلامٍ خُلقتَ أم من ضياءِ

وكما نلمح ذلك في الشعر الدرويشي:
لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي
بالختام السعيد ولا بالردّى
أريد لها أن تكونَ صلاة أخي وعدوّي
كأنّ المخاطبَ فيها أنا الغائبُ المتكلمُ فيها

وفي رأيي فإنّ سبكَ شاعرنا الهلال لا يقلّ عن هذا ..لا في سطح بحره ولا في عمقه، وإن كانتْ أعماقه زاخرةً بالنّفائس الأسلوبيّة، لننظر إلى قوله:
نحنُ كالقرآن نُحمَلْ
ليس شركًا أنْ نُقبَّلْ

ولنا وقفة تأمّلٍ أمام عتبات قصائده، كيف تصطادُ الإعجاب بها من أوّل نغمة ، حينما يعبّر عن مولاته الزهراء عليها السلام:
هيَ كلُّ شيءٍ في معانيه صفا
هي كلّ شيءٍ في الوجود تلطّفا
هي كلّ فكرٍ رتّلتْه خواطري
فتناثرتْ فوق البريّة مُصْحفا
وكذا في موضعٍ آخر في قصيدة “يا مالئ الدنيا”:
يا مالئ الدّنيا بعطر الياسِ
يامن رسمتَ خريطة الإحساسِ
يا ظاهرًا بغيابه، يا غائبًا
بظهوره، كالزّيت في النّبراسِ
إنّي انتميتُ إليكِ ياروح الهدى
مثل انتماء الماءِ للعبّاسِ

حيث تتدفّق من هذه العتبات طاقةٌ شعريّة شعورية تخطفُ اللّبّ، لنصلَ منها إلى عقيدة راسخة ،وعشقٍ عرفانيٍّ، وحضورٍ لافتٍ ،وكلّ ذلك العمق المهيب نابعٌ من عشقه لآلِ محمّد الطاهرين، فكأنّنا لا نلمح شاعرنا إلّا واقفًا على عتباته المقدّسة رغم شموليّة طرحه، وما أكثر ما يحملنا على أبواب الدّهشة حينما تبهرنا مقاطع أبياته في قصائده، فيقبل إليه جمهوره بمشاعره القلبيَة وصلواته اللّسانيّة..فلنقرأ له مثلاً:
ياكفّها منه الحياةُ تفتّحتْ
وكم ارتوى منه فؤادُ المصطفى
وبعينها تسقي النّقاءَ نقاوةً
وبقلبها ووفائه عُرِفَ الوفا
فتدور حول الكون تنشرُ عطرَها
خَجِلًا لها نبضُ الزّمان توقّفا
اللّهُ يعرف أين يجعل سرّه
فاستودع الأسرار فيها واكتفى

كيف لا وهو القائلُ:
وعن فاطمٍ فاض كلّ الشّعورْ
فأغرق حتّى بيوتَ النّسورْ

وأمّا عن خدمته الحسينيّة ،فحدّث ولا حرج ..أليس القائل في قصيدة “من جعفرك”:
يا ساريًا عبْر المدى ما أنوركْ
يا سرّ موسى يا بقيّة ما تركْ
ومضيْتَ في قلب الملا تضفي النّقا
يا جعفرًا سبحانه من جعفركْ
ولكم مع الكرار يفخرُ خادمٌ
وأنا هنا ، فلْتَتّخذْني”قَنْبِركْ”

وما أكثره ذلك الإبداع الفكريّ في رموز شعره، وما أحسنه ذلك التناصّ الدينيّ والتاريخيّ، كي نقرأ له:
ها أنا ما زلْتْ أُدعى
زينة الكونُ الفسيحْ
كنتُ بدرًا ورآكمْ
صارَ مشطورًا ذبيحْ
علّقوني زينةً في
خيمة العرسِ الجريحْ
في زفافٍ قاسميٍّ
نحوَ شبّاك الضريحْ

وشاعرنا الهلال هلالُ حبٍّ وسلامٍ، ومحطّ وعيٍ واهتمام ، ومنارة صدقٍ وهُيامٍ لمواليه وأسياده محمّدٍ وآله الكرام..
لذا صار محطّ اهتمام المنبر الحسينيّ الذي احتضن قدرًا من قصائده الحسينيّة اللّامعة على ألسن الرواديد والمنشدين في بقاعٍ ليست بالقليلة، لصدْق ما يقول من مكتنزات الفِكَر، ومن عَبَرات وعِبَر ، ومن أهداف سامية للحسين المنتصر:
لأنّ المجتبى مثلَ الحسينِ
إذًا ماذا جرى في الحالتينِ
أنا تبرٌ محلّى باللّجينِ
وأنتَ الجرحُ يدمي كلّ عيْنِ
وقد صرْتَ رمالًا دون لوْنِ
فصارتْ عصرة الزّهرا اثنتيْنِ

فكما رأينا من رشاقة اللّفظ ،واكتناز المعنى، وتناغم الظاهر والعمق، يتجلّى شاعرنا الأستاذ لؤي بن حبيب الهلال شاعرًا متميّزًا “مزيّة الفحل على الحقاف” كما يُقال، كما تميّز نصّه من حيث وحدة الموضوع والسّبك، ومن حيث سهولة المخرج والتناول، ليطالعنا بهدوئه وأخلاقه عن مكنونٍ ومخزونٍ..فهو كالبحر ساعة الفجر ، ناعم المظهر عميق المخبر.
وأكاد أصرّح بأنّ جعبته مليئة بالكثير الكثير.. سائلاً المولى له ولجميع شعرائنا الشّباب دوام الموفّقيّة والنّجاح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى