أقلام

الكلمة مسؤولية

عبدالله بن علي الرستم

مع تزايد استخدام وسائل التواصل الحديثة، ظهرت بعض البرامج التي بات على بعض الناس عدم الاستغناء عنها، وهذه البرامج في حالة تطوّر مستمر، مثل: الهاتف، المنتديات، الماسنجر، الفيسبوك، التلجرام، الواتساب …الخ، وهذه البرامج منها ما ظل في ذاكرة النسيان؛ لأنها تمثل مرحلة استفاد منها جيل، وجاء الجيل الحالي لا يعرف منها سوى الاسم، وحلَّ محلها برامج تواصل أخرى. مما يعني: أن هذا التحوّل والتطوّر الذي يُعد قفزة في عالم التواصل العالمي، صحبها بعض المسائل التي بدلاً من أن تكون عاملاً مساعداً في تطوير علاقاتنا، باتت تهدد كيانات اجتماعية بسببها؛ وذلك نتيجة عدم استيعاب كثيرٍ من الناس غاية هذه الوسيلة والتعامل معها بشكل يليق بها، وأنها تحمل جانباً كبيراً من الخير بدلاً من أن تكون وسيلة للتراشق في مسائل نتفق حيناً ونختلف إزاءها في أحايين أخرى، بل إن بعضهم صار يستخدم هذه الوسيلة للتفرقة والتعبئة ضد أناس بعينهم أو جماعات ما.

وأحبذ الإشارة في هذا الصدد إلى الشاعر/ زهير بن أبي سُلمى، المُلقّب بـ(شاعر الحوليّات)، حيث كان يكتب قصيدته ولا يعرضها للناس إلا بعد سنة كاملة؛ وذلك بغرض المراجعة والتنقيح والتصحيح ونحو ذلك، وكان بهذا الفعل أن خَـلُد اسمه وشعره. وكم أتمنّى من بعض الباحثين والكُتّاب في وسائل التواصل أن يسيروا على هذا النهج، ولا أقصد بذلك المكوث سنة بالعدد؛ بل بتفعيل جانب التأنّي والتريّث كما كان يفعل شاعر الحوليّات.

وما يجري في واقعنا اليوم من حالة العجلة في النشر (كتيّب، تغريدة، مقالة …الخ)، وغياب الرقيب الداخلي (الضمير) فضلاً عن الرقيب القانوني، وتوفر هذه البرامج بين أيدينا طوال الوقت، أوقعت كثيراً من أصحاب الأقلام في متاهات مختلفة نتيجة الاستعجال وعدم التأنّي والتريّث، بينما كان الأحرى بكل إنسان يمتلك هذه الوسائل أن يكون في غاية من الوعي، وأن يستعشر مسؤولية الكلمة وأثرها السلبي والإيجابي. وقد سار كثيرٌ من العلماء على هذا النهج من التأنّي والتريّث والتروّي مقلباً كتابه أو مقالته قبل أن يظهر للعَلَن، ومستعيناً في صلواته وأوراده بأن يُمنح الصواب فيما يقول ويفعل، وكم هي رغبتي لبعض الأقلام والشخصيات أن يدرّبوا أنفسهم على التريّث في بعض القضايا ذات المصير الاجتماعي، وأن لا ينفعل ولا يصرّح بأي كلمة تجاه أي عبارة أو حدثٍ تشوبه الضبابية ولم تكتمل صورته النهائية عنده؛ لأن الانفعال يساهم في عدم وضوح الرؤية تجاه الحدث، وهو ما يوقعه بعدم وضع الكلمات في مواقعها السليمة تجاه أي كلمة يكتبها في أي وسيلة من وسائل التواصل المتاحة؛ فما يكتبه سيُساءل عليه دنياً أو آخرة، وسيجني ثمار ما يبثه من خير أو شر، وما أجمل الإنسان أن يقدّم كلمة الخير.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى