أقلام

الدراسات على كوفيد-19 يجب أن تركز أيضًا على المناعة المخاطية. بحسب باحثين من جامعة بافلو

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

مقدمة الصيدلي غسان علي بوخمسين

الجهاز المناعي هو منظومة من العمليات الحيوية التي تقوم بها أعضاء وخلايا وجسيمات في الكائن الحي بغرض حمايته من الأمراض والسموم والخلايا السرطانية ومسببات الأمراض. هذه المنظومة المناعية الحيوية تتعرف على مسببات المرض، كالميكروبات أو الفيروسات وتحييدها أو القضاء عليها.

المناعة تُقسم في جسم الإنسان عادة الى ذراعين رئيسين، يقع تحتهما كثير من الأعضاء والأجزاء الصغيرة التي تقوم بمهام معقدة ومتشابكة وهما:

الذراع الأول :المناعة الخلطية humoral immunity وتشمل الخلايا البائية والأجسام المناعية المعروفة مثل IgG وغيرها والسيتوكاينات والنظام المتمم complement system . سميت المناعة الخلطية بهذا الاسم لأنها تتضمن موادًا موجودة في الخلط أو سوائل الجسم تتناقض مع المناعة الخلوية. يشار إلى المناعة الخلطية أيضًا باسم مناعة الجسم المضاد -antibody based immunity . أما الذراع الثاني فهو المناعة الخلوية cellular immunity وهي المناعة المعتمدة في معظمها على الخلايا التائية T-lymphocytes بأنواعها المختلفة والتي تقوم بأدوار مهمة في المناعة المتخصصة والمكتسبة acquired immunity.

لكن، هناك ذراع ثالث للمناعة، كثيراً ما يُغفل ولا يُلتفت إليه، وهو المناعة المخاطية mucosal immunity رغم أهميته الكبيرة في مكافحة مسببات الأمراض ويعتبر جزءاً مهماً من جهاز المناعة.

مناعة الأغشية المخاطية أو المناعة المخاطية هي دراسة استجابات الجهاز المناعي التي تحدث لدى الأغشية المخاطية للأمعاء والجهاز البولي التناسلي والجهاز التنفسي، أي الأسطح التي تلامس البيئة الخارجية.في الحالات الصحية ، يوفر الجهاز المناعي المخاطي الحماية ضد مسببات الأمراض ولكنه يحافظ على درجة من التحمل تجاه الميكروبات المتعايشة غير الضارة والمواد البيئية الحميدة. على سبيل المثال، في الغشاء المخاطي للفم والأمعاء، إفراز الجسم المضاد IgA يوفر استجابة مناعية لمستضدات محتملة في الطعام دون استجابة مناعية جهازية كبيرة وغير ضرورية.

يوفر الجهاز المناعي المخاطي ثلاث وظائف رئيسية:

1. العمل كخط دفاع أول للجسم من المستضدات والعدوى.

2. منع الاستجابات المناعية الجهازية للبكتيريا المتعايشة ومضادات الطعام (البروتينات الغذائية في الأنسجة اللمفاوية المرتبطة بالأمعاء، ما يسمى بالتسامح الفموي)

3. تنظيم الاستجابات المناعية المناسبة لمسببات الأمراض التي تتم مواجهتها بشكل يومي.

هذه المقالة المترجمة التي بين أيدينا، من عالم متخصص في المناعة يدعو فيها إلى إعادة الاعتبار لهذا الذراع المهم من المناعة، وتسليط مزيد من الضوء عليه ودراسته بعمق أكثر؛ لكي نصل إلى فهم أكبر وأوضح لنظامنا المناعي المعقد والمتشابك، الذي أودعه الباري عز وجل في أجسامنا.

الموضوع المترجم

أي شخص خضع لفحص كوفيد-19 عبر مسحة أنف أو لعاب يعرف أن الفيروس يُكتشف بسهولة في الأنف والفم. لهذا السبب، ناقش باحثون من جامعة بوفالو في ورقة بحثية نشرت في 30 نوفمبر 2020 في دورية آفاق في المناعة Frontiers in Immunology (انظر 1). بأنه ينبغي تكريس المزيد من دراسات كوفيد-19 على كيف تظهر المناعة ضد فيروس سارس-كوف-2 في الأغشية المخاطية للأنف والفم.

بالإشارة إلى أن الجهاز المناعي المخاطي هو أكبر مكوِّن من مكونات الجهاز المناعي، أعرب الباحثون عن قلقهم من أنه لم يكن محل تركيز للكثير من البحوث التي تجري على كوفيد-19 حتى الآن.

“نعتقد أنه إهمال خطير لتجاهل الاستجابة المناعية المخاطية لفيروس سارس-كوف-2، نظرًا لأنها المواقع الأولية التي تصيبها العدوى”، كما قال مايكل دبليو راسل Michael W. Russel، دكتوراه ، برفسور فخري في قسم علم الأحياء الدقيقة والمناعة في كلية جيكوبس Jacobs للطب والعلوم الطبية الحيوية في جامعة بافالو، وكبير مؤلفي الورقة. “من الواضح أن استجابة الجسم المضاد الغلوبيوليني المناعي G الجهازي مهمة [الجسم المضاد هذا هو أكثر الأجسام المضادة وفرةً في الدورة الدموية] (2، 3) – نحن لا ننكر ذلك – لكن الجسم المضاد لوحده غير كافٍ.”

وأشار راسل Russell إلى أنه بطبيعة الحال، التركيز الأولي للأبحاث على المرض كانت على حالات المرض الحادة وهي حين ينزل الفيروس إلى الجهاز التنفسي السفلي (4)، وخاصة الرئتين، حيث تؤدي الاستجابات المناعية الخلوية إلى تفاقم الالتهاب لا محاربة العدوى. ولكن نظرًا لأن المسالك التنفسية العلوية (5)، بما فيها الأنف واللوزتين واللحمية هي نقطة البداية للإصابة بفيروس سارس-كوف-2 ، فإن الاستجابات المناعية التي أُثيرت هناك هي ذات أهمية خاصة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المعدل المرتفع لانتقال كوفيد-19 الذي لا تظهر على المصاب فيه أي أعراض، والذي قدّرته مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها CDC مؤخرًا بأكثر من 50٪، هو سبب آخر يجعل مناعة الأغشية المخاطية مهمة جدًا، وفقًا للباحثين.

“شيء ما، في مكان ما، يقوم بعمل جيد إلى حد ما في السيطرة على الفيروس”

“بالنظر إلى أن العديد من المصابين لا تظهر عليهم أعراض، وأن عددًا كبيرًا ممن تظهر عليهم أعراض يعانون فقط من مرض خفيف إلى متوسط، فإن هذا يشير إلى أن شيئًا ما، في مكان ما، يقوم بعمل جيد إلى حد ما في السيطرة على الفيروس” كما يقول راسل Russel.

“هل يمكن أن يكون هذا بسبب الاستجابات المناعية المخاطية الأولى التي نجحت في احتواء العدوى والقضاء عليها قبل أن تصبح خطرة؟” يتساءل راسل. “لن نعرف ما لم يتم العمل على اجابة هذه الأسئلة.”

هذه الورقة البحثية توصي بضرورة إجراء دراسات لتحديد طبيعة استجابات الغلوبولين المناعي (A (SIgA (انظر 2) لإفرازات الغشاء المخاطي خلال فترة العدوى، بما في ذلك العدوى التي لا تظهر أعراضها على المصاب بها أو قبل مرحلة ظهور الأعراض، والحالات الخفيفة والمتوسطة لمرض كوفيد-19. بالإضافة إلى ذلك، يشير الباحثون إلى أن الاستجابات المناعية للأغشية المخاطية قد تختلف باختلاف الفئات العمرية والمجموعات السكانية.

التركيز على المناعة المخاطية قد يجعل أيضًا من تطوير نوع من اللقاح أمرًا ممكنًا، كاللقاح الذي يؤخذ عن طريق الأنف، والذي يمكن أن يكون أسهل في التخزين والنقل والإدارة. العديد من هذه اللقاحات قيد التطوير الآن لكوفيد-19 ولكن مدى المرحلة التي وصل اليه هذا التطوير غير معروف.

وأضاف راسل أن هذه اللقاحات قد لا تكون لها متطلبات درجة حرارة تخزين خاصة وقد تكون أكثر قبولًا لشرائح كبيرة من الناس، وخاصة الأطفال، لأنها لا تتطلب استخدام حقن.

المزايا الممكنة للقاح الغشاء المخاطي

“الميزة الممكنة للقاح المخاطي – وخاصة اللقاح الذي يحقن / يُبخ داخل الأنف intranasal – هي أنه يجب أن يحفز الاستجابات المناعية، بما في ذلك أجسام SIgA المضادة، في المسالك المخاطية، وخاصة في حالة المسالك التنفسية العلوية هذه، حيث هي أول ما يصلها الفيروس التاجي”. كما يوضح راسل، مضيفًا أن اللقاحات المحقونة عادة لا تحقق بذلك.

من بين مجالات الدراسة التي يقترح المؤلفون أنها ستكون بناءة، هي الدراسات الجزيئية على أجسام IgA المضادة وعلاقتها بمرحلة مرض كوفيد-19، وتحديد خصائص الخلايا التي تفرز أجسام IgA المضادة والخلايا المناعية المخاطية الأخرى التي تستحثها العدوى أو عن طريق التطعيم.

“بصفتنا أخصائيين مناعة مخاطية ونتمتع بعدة عقود من الخبرة ، فقد شعرنا بالقلق إزاء عدم الاهتمام بهذا الأمر، ونأمل أن نلفت الانتباه إلى هذا النوع من التغافل الصارخ” كما يقول راسل. و”بعد كل شيء، يعد الجهاز المناعي المخاطي إلى حد بعيد أكبر مكوِّن من مكونات جهاز المناعة كله، وقد تطور لحماية الأسطح المخاطية حيث تظهر الغالبية العظمى من العدوى.”

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى