أقلام

هل يستطيع الدماغ مقاومة رأي الجماعة؟

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

لقد عرف باحثون علميون من جامعة دراسات الاقتصاد العليا HSE في موسكو أن الاختلاف مع آراء الآخرين يترك “أثرًا” في نشاط الدماغ، مما يسمح للدماغ لاحقًا بتعديل رأيه لصالح وجهة نظر الأغلبية. تم نشر الورقة في مجلة تقارير علمية (ساينتفيك ريبورتس Scientific Reports، انظر 1).

غالبًا ما نغير معتقداتنا (2) تحت تأثير[آراء] الآخرين. هذا السلوك الاجتماعي يسمى بالامتثال / المعيّة / المجاراة / الموافقة (انظر التعريف في 3) ويبرر سلوكياتنا المتنوعة، من التصويت في الانتخابات إلى اتجاهات الموضة بين المراهقين.

أصبحت لدى أبحاث الدماغ مؤخرًا معرفة جيد بالآثار القصيرة المدى للتأثير الاجتماعي (4) على اتخاذ القرار. إذا تطابق اختيارنا مع وجهة نظر الأشخاص المهمين بالنسبة لنا، فإن هذا القرار يكون مُعززًا (أقوى) في مراكز “المتعة” في الدماغ المعنية بنظام دوبامينية الفعل dopaminergic (انظر 5) الكبير المسؤول عن التعلم والنشاط الحركي والعديد من الوظائف الأخرى. وعلى العكس من ذلك، في حالات الخلاف في الرأي مع الآخرين، يرسل الدماغ اشارة بحدوث “خطأ” ويثير الامتثال [لرأي الجماعة].

ومع ذلك، هناك القليل من الدراسات بشأن كيف يؤثر التأثير الاجتماعي (4) على نشاط الدماغ بمجرد مرور بعض الوقت بعد أن اتخذنا قرارًا وعرفنا برأي الآخرين. قرر باحثو علم الأعصاب في كلية الاقتصاد العليا HSE دراسة ما إذا كان رأي الآخرين يسبب تغيرات طويلة الأمد في نشاط الدماغ.

استخدم الباحثون تخطيط الدماغ المغناطيسي (MEG)، وهي طريقة فريدة تسمح برؤية نشاط الدماغ البشري بالتفصيل أثناء معالجة المعلومات، ولها دقة قياس زمانية [دقة القياس الزمانية TR هي دقة قياس متفردة discrete متعلقة بالزمن، 6] أعلى من تلك الخاصة بالرنين المغناطيسي الوظيفي التقليدي.

في بداية التجربة، عشرون مشاركة في التجربة قيّمن درجة ثقتهن بغرباء وُضعت صور وجوههم على هيئة سلسلة من الصور. ثم تم إبلاغهن بالرأي الجماعي لمجموعة كبيرة من قريناتهن عما لو كنّ سيثقن بهؤلاء الغرباء أم لا يثقن بهم. أحيانًا كان رأي المجموعة يتعارض مع رأي المشاركات، وأحيانًا يتطابق مع رأيهن. بعد نصف ساعة، طُلب من المشاركات إعادة تقييم ثقتهن بنفس مجموعة الغرباء [من خلال صور وجوههم كذلك].

توضح دراستنا التأثير الدرامي لآراء الآخرين على كيف ندرك المعلومات ادراكًا حسيًا (7). نحن نعيش في مجموعات اجتماعية (8) ونضبط / نكيّف آراءنا تلقائيًا مع آراء الأغلبية، ويمكن لآراء أقراننا أن تغير الطريقة التي تعالج بها أدمغتنا المعلومات لفترة طويلة نسبيًا.

وأظهرت الدراسة أن المشاركات غيرّن رأيهنَّ في الشخص الغريب تحت تأثير رأي قريناتهن في حوالي نصف الحالات. بالإضافة إلى ذلك، حدثت تغييرات في نشاط أدمغتهن: اكتشف الباحثون “آثار” خلافات (عدم توافق) في الرأي سابقة مع قريناتهن. عندما رأت المشاركات مرة أخرى وجه الشخص الغريب، بعد جزء من الثانية، أعطت أدمغتهن اشارة بآخر مرة لم يتطابق رأيهن الشخصي مع التقييم الذي أعطته قريناتهن. على الأرجح، فإن تثبيت هذه الإشارة يسمح للدماغ بالتنبؤ بالصراعات المحتملة في المستقبل الناشئة عن الخلافات في الرأي من أجل تجنبها، وربما يحدث هذا تحت اللاوعي (في العقل الباطن).

من المثير للاهتمام أن منطقة مثل القشرة الجدارية العلوية superior parietal cortex، وهي منطقة في الدماغ مسؤولة عن استرجاع الذكريات، معنية بترميز إشارة خلافات سابقة في الرأي مع المجموعة. من المحتمل أن وجوه الغرباء، التي منها التقط الدماغ اشارة اختلاف في الرأي، يتم تذكرها بشكل أفضل من الوحوه الآخرى.

وبالتالي، فإن آراء الآخرين لا تؤثر فقط على سلوكنا، ولكنها تسبب أيضًا تغييرات طويلة المدى في طريقة عمل أدمغتنا. على ما يبدو، فإن الدماغ لا يتكيف بسرعة مع آراء الآخرين فحسب، بل يبدأ أيضًا في إدراك المعلومات ادراكًا حسيًا من خلال أعين الأغلبية لتجنب الصراعات الاجتماعية (9) في المستقبل.

“من المثير جدًا أن استخدام الأساليب الحديثة لرسم الخرائط العصبية (10) ورؤية آثار الصراعات السابقة مع رأي المجموعة في نشاط الدماغ. يمتص الدماغ آراء الآخرين كالإسفنجة،ويضبط وظائفه حسب رأي مجموعته الاجتماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى