أقلام

حوارية رقم (٦٢)

زاهر العبدالله

يقول شخص اسمه كريم من العراق أنه أكتشف أن القرآن ليس من الله ومحمد – صلى الله عليه وآله- ليس بنبي والإسلام كذبة كبرى!
السائل:
السلام عليكم ورحمة الله ما تعليقك على مقطع لرجل عراقي اسمه كريم يدّعي أنه درس الشريعة في الحوزة ودرس الإسلام بكل تفاصيله وساهم في كتابة الدستور العراقي وكان من المصرين لجعل القرآن الكريم المصدر الوحيد للتشريع، وعاش لفترة زمنية تحت معاناة من سجن وتعذيب ثم أصبح عضواً سياسياً في حزب الدعوة فقرر أن يعيد قراءته للقرآن الكريم والبحث عن الثغرات التي أُثيرت حوله فبحث خلال سنتين ونصف في إعادة القرآن والحديث وراسل كثير من مشايخ ومراجع الشيعة ولم يجد جواباً شافياً لها ووافياً. فترك المذهب الشيعي وبحث في الفكر السني الذي نحن أغلقناه( كما يدّعي) لأننا نكفرهم وهم يكفروننا ولم نقرأ للبخاري والترميذي وابن ماجه هؤلاء كتّاب الحديث لأننا عندنا علماؤنا من الشيخ المفيد والطوسي والطبرسي وغيرهم وبعد البحث والتقصي بعد سنتين ونصف توصل الى أن القرآن ليس من الله ومحمد – صلى الله عليه وآله – ليس بنبي والإسلام كذبة كبرى.
فتركت الإسلام.. وجئت أمريكا ثلاث سنوات أبحث عن الله بحيث أقول أين الله؟ بعد قراءتي للأسلام فقدم لي الإسلام أن الله ماكر ومضل ومضر ويغوي يعطي شرور نفس الصفات الشيطانية.
فما تعليقك على هذا الكلام؟
نقول له بسمه تعالى
أولاً: أنه قرأ الإسلام بكل تفاصيله هذا مدّعى يحتاج دليل قطعي ودون إثباته خرط القتاد إذ أن جل علماؤنا الأبرار يقرون أن هذا الدين عميق لا يمكن إدراكه بكل تفاصيله إلا من اختص الله بهم واختارهم خلفاء على أرضه وهم محمد وآل محمد ولذا روي عن النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق) (١) وروي عن الإمام أبي جعفر عليه السلام (ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه، واكتموا أسرارنا، ولا تحملوا الناس على أعناقنا، وانظروا أمرنا وما جاءكم عنا فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقا فردوه، وإن اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده، وردوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا)(٢)
وروي عن جابر قال قال أبو جعفر عليه السلام(قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن حديث آل محمد صعب مستصعب لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان ، فما ورد عليكم من حديث آل محمد صلى الله عليه وآله فلانت له قلوبكم وعرفتموه فإقبلوه، وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد وإنما الهالك أن يحدّث أحدكم بشئ منه لا يحتمله، فيقول: والله ما كان هذا والله ما كان هذا، والانكار هو الكفر. )(٣)

ولن أقف طويلاً عند شرح هذه الأحاديث التي خلاصتها أن الإنسان لا يمكن أن يقف كما ادّعى الرجل على الإسلام بكل تفاصيله فهذه مبالغة منه إذا أحسنا الظن فيه .
ثم إنك لست أفضل حالاً من غيرك ممن غيّر مسار الحق حيث علمه وإيمانه ومعرفته. مثل بلعم بن باعوراء وقد ذكره القرآن الكريم وكان لديه الاسم الأعظم الذي يقول للشيء كن فيكون ورغم ذلك انحرف عن الطريق وهلك إلى جهنم وبئس المصير وجزماً أنه لن ولم يصل إلى ما وصل إليه من معرفة وعلم وكذلك علي أبن حمزة البطائني الذي كان وكيلاً للإمام الكاظم عليه السلام وانحرف من أجل حفنة دراهم فالسيرة للشخص لا تحصنه معرفياً أو دينيا أو تزكيه بأنه لا يكذب ولا تعصمه من الزلل..

ثانياً: أنه أعاد قراءة القرآن الكريم خلال سنتين ونصف وكانت له تساؤلات في تفسير بعض الآيات فراسل مراجع ومشايخ الشيعة فلم يجد جواباً شافياً ووافياً لها ليس مبرر له في ترك الإسلام لمجرد عدم الحصول على جواب يتلاءم و هواه أو وفق قناعاته.
كما أننا نحتمل أنه بحث أو توقع إجابه تلاعب أفكاره وهواه فلم يجيبوه بما يرجو، أو نحتمل أنه لم يبحث عن الرجل المناسب للسؤال المناسب أما ادعاءه أنه راسل المراجع ولم يجيبوه فمحل نظر وتأمل لأن كلامه يحتاج لدليل قاطع. حيث أنه ادّعى أنه درس الشريعة فهل كان من الصعب التوصل لمراجع الشيعة ثم لِم لَم يذكرهم بأسمائهم.
ثالثاً: أنه أدّعى أننا لا نقرأ كتب السنة فهذا كذب محض والواقع يكذبه بل أكثر من ذلك، فعلماؤنا يهتمون بقراءة كل من يخالفونهم في العقيدة والمذهب والدين وحتى الفكر غير الديني والملحد ونناقش أدلتها العقلية والنقلية ولا تكاد تخلو مكتبة لأقل طالب علم من الصحاح الستة لعلماء السنة، بل هناك من درس على أيدي علماء السنة فبرع في علومهم ثم درّسها مثل الشيخ المفيد وهذا دليل يكذّب كونه درس العلوم الشرعية إذ أن ما نقلناه من البدهيات في المذهب، والكتب تشهد بذلك من الفقه المقارن وكتب المناظرات من قبيل ليال بيشاور والمراجعات وأجود المناظرات وغيرها والمذاهب الفلسفية وكتب الإلحاد وجهود العلماء في هذا الميدان كالشمس لا يغطيها غربال.
أما كِذبته المفضوحة أننا نكّفر المسلمين فهذا يخالف ما أعلنه مراجع الطائفة ومنهم المرجع الأعلى السيد السيستاني أمد الله في عمره الشريف حيث قال: المسلمين من المذاهب الإسلامية مسلمون واقعاً وباطناً.. وكل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله عصم ماله وعرضه ودمه وله ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين
رابعاً: الاعتقاد ببشرية القران شبهة طرحها المستشرقين وأشبعت بحث وتحليلاً ونقضاً ولم تصمد أمام الأدلة العقلية فضلاً عن الشرعية كما بحثها السيد مير محمدي زرندي في بحوثه تحت عنوان بحوث في تاريخ القرآن وعلومه – الصفحة ١٨٦ .
أما كون أن القرآن الكريم بشري نشير لهذا الدليل التاريخي والبدهي حيث أن النبي الأعظم بعث في قوم هم فحول الفصاحة والبلاغة ولو كان القرآن بشري كما يدّعى لتناوله سادة قريش واعتبروه عيباً فاضحاً لمعجزة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الخالدة بل وتناوله المستشرقون بكل زهو لوجود أدلة في ضعف القرآن الكريم ولكن هذا لم يحصل ونذكر هنا شاهد يوثق ذلك
الوليد أبن عتبة من سادة قريش ومن أغناها مالاً ومن فحول العرب في الفصاحة والبلاغة حين سمع القرآن الكريم قال كلام عجيب يشهد للقرآن أنه ليس قول بشر
روي عن ابن عباس قال: ((جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً ليعطوكه لأن لا تأتي محمداً ولتعرض لما قاله.
قال (الوليد): قد علمت قريش إني من أكثرها مالاً. قال (أبو جهل): فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك كاره له. قال (الوليد): وماذا أقول؟ فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يُعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته….)(٤)
نكتفي بهذا الشاهد ولمن يرد المزيد فليراجع الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم للسيد الخوئي قدس سره في كتابه البيان وغيره .
خامساً: أما قولك وبعد البحث والتقصي بعد سنتين ونصف أن القرآن ليس من الله ومحمد صلى الله عليه وآله ليس بنبي والإسلام كذبة كبرى
فنقول: إن بحث بُني على مقدمات خاطئة فأفرز نتائج باطلة وأما الإستهزاء على مقدسات المسلمين في الحج والكعبة المشرفة وترك الإسلام لا يعطي الحق أن يُنال من مقدسات المسلمين وهذا خلاف الأخلاق الإنسانية فضلاً عن أي ديانة يعتنقها أحد. فقد كُفل حق الاختيار للإنسان.

سادساً: أما قوله بعد قراءتي للإسلام فظهر لي الإسلام أن الله ماكر ومضل ومضر ويغوي يعطي شرور نفس الصفات الشيطانية.
لعل هذه الأسئلة التي لم يجد لها تفسيراً يتناسب مع هواه فربط عقله القاصر فعل البشر بفعل الحق سبحانه وأخذت الألفاظ المشتركة في الآيات المتشابهة التي أمرنا الله في تفسيرها نرجع لأهل البيت عليهم السلام لأنهم عِدل القرآن الكريم لأن للقرآن الكريم وجوه وبطون وفيه المحكم والمتشابهة والخاص والعام والمطلق والمقيد وكلها تحتاج لخبير متصل بالسماء وهم محمد وآل محمد – صلوات الله وسلامه عليهم –
كما قال تعالى
{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب}٧ آل عمران.
فالراسخون هنا هم أهل البيت عليهم السلام. نكتفي بهذا التعليق .
ونذكر مثال على ما يتشابه على الإنسان من ألفاظ مشتركة من قبيل كلمة المكر في قوله تعالى
{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(٣٠)} الأنفال . جاء في تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي في بيان معنى هذه الآية
(وقال في الأمرين: ومكروا مكراً ومكرنا مكراً، وقال بعضهم: من مكر الله إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدنيا، ولذلك قال أمير المؤمنين سلام الله عليه: من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله. انتهى.)(٥)
السائل: ماهي أبرز أسباب انحراف الإنسان عن الطريق المستقيم؟
الجواب: هناك عدة أسباب بظني القاصر تدفع الإنسان للانحراف أو الاشتباه على أقل تقدير
١- هناك من هو متدين عن تقليد أعمى مجرد طقوس وحركات يحفظها ويقلدها دون وعي وإدراك وتفكر ويعلق دينه على أفعال الرجال فإذا وجد الرجال باسم الدين يخالفون الله ورسوله فتكون له صدمه من الدين ذاته فينقلب بشكل حاد على كل ما كان يقوم به من سلوك ديني
ولذا ورد في الرواية عن الإمام علي (عليه السلام): إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله(٦)
٢- هناك من تجره نزواته وشهواته إلى أن يرى المحرمات والواجبات الشرعية أغلالاً تقيد حريته ولذا لا يمكن التخلص من هذا الإحساس إلا بترك الدين بكاملة فيتركه فيتخذ إلهه هواه
٣- العجب والاعتداد بالذات وتعظيم الأنا والدخول في تخصصات لا ناقة له فيها ولاجمل لمجرد إنها لا تدخل مزاجه ولا يقبلها عقله القاصر فيقدم ذاته على ما أراده الله سبحانه وتعالى فيهلك في الأنا فيكون مثل إبليس حين قال أنا خير منه، وقول فرعون أنا ربكم الأعلى وغيرهم من المتكبرين كما روي عن الثمالي قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام: (إن دين الله لا يصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقايس الفاسدة، ولا يصاب إلا بالتسليم، فمن سلّم لنا سلِم ومن اهتدى بنا هُدي، ومن دان بالقياس والرأي هلك، ومن وجد في نفسه شيئاً مما نقوله أو نقضي به حرجاً كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم وهو لا يعلم )(٧)
٤- حب الدنيا رأس كل خطيئه لعل المال سبب مهم في تغير الضمائر وتغيير المواقف.

٢٧ / ٧ / ١٤٤٢ هجري

المصادر:
(١) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٦٨ – ص٢١٨
(٢) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٧٥ – الصفحة ١٨٢
(٣) الكافي – الشيخ الكليني – ج ١ – الصفحة ٤٠١
(٤) البيان في تفسير القرآن – السيد الخوئي – الصفحة ٥٧
(٥) تفسير الميزان – السيد الطباطبائي – ج ٩ – الصفحة ٦٦
(٦) ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ١ – الصفحة ٦٥٨
(٧) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٢ – الصفحة ٣٠٣

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى