أقلام

حوارية رقم (٦٣)

زاهر العبدالله

هل الإمام الحسين (ع) انتصر بواقعة كربلاءالمقدسة، وإذا كان منتصراً لماذا البكاء عليه لأكثر من ١٤٠٠سنة؟
سؤال: –

هل الإمام الحسين (ع) انتصر بواقعة كربلاءالمقدسة

إذا كان منتصراً لماذا البكاء عليه لأكثر من 1400سنة؟
أليس من المفترض أن تفرحوا لنصره بدلاً من البكاء والحزن؟

الجواب بسمه تعالى

مفردة البكاء تحمل جملة من الدلالات والمعاني، فهناك بكاء من خشية الله وهناك بكاء من خوف وهناك بكاء فرح مثل ماقيل هذه دموع الفرح وهناك بكاء للألم والحزن والفقر وظلم وغيره من المعاني المجازية التي تلامس المشاعر وتغسل الروح وتعالج النفس من الاضطرابات ونوبات القلق والاكتئاب وإعلان وإظهار ظلامة وقعت على الشخص وووو

إذن البكاء باعتباره مفردة ليس عيباً ولا محصوراً بمعنى خاص كما توهمت

أما لماذا نبكي على الإمام الحسين عليه السلام رغم انتصاره.

نقول: نحن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكل فعل أو قول أو تقرير منه عليه السلام هو حجة ونتخذه سنة نرجو منه الثواب من الله سبحانه وقد ثبت بالدليل القاطع عند الفريقين أن رسول الله صلى الله عليه وآله بكا على الحسين عليه السلام بل ونَحَبَ بشده عليه. فعن عبد الله بن يحيى عن أبيه وكان على مطهرة، قال خرجنا مع علي إلى صفين فلما حاذانا نينوى نادى صبراً أبا عبد الله بشاطئ الفرات فقلت يا أمير المؤمنين ما قولك صبراً أبا عبد الله قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وعيناه تفيضان فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لعينيك تفيضان دموعاً أغضبك أحد قال بل قام من عندي جبرئيل فأخبرني أن الحسين يقتل بشاطئ الفرات فقال هل لك أن أشمك من تربته قلت نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم تملك عيناي أن فاضتا.(١) وثبت لنا بالأدلة الروائية من أهل البيت عليهم السلام استحباب البكاء على الإمام الحسين عليه السلام والحث عليه وما يناله البكائون على الإمام من الأجر والثواب.

كماروي أنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وآله ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاءً شديداً، وقالت: يا أبت متى يكون ذلك؟ قال: في زمان خال مني ومنك ومن علي، فاشتد بكاؤها وقالت: يا أبت فمن يبكي عليه؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟

فقال النبي: يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجددون العزاء جيلاً بعد جيل، في كل سنة فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال وكل من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنة. (٢)

إذن من الناحية الشرعية لنا طريق وسبب يجعلنا نبكي عليه.

أما من الجهة العقلية

أي إنسان يتعرض لظلم من يمتلك ضمير حي وروح سليمة يتأثر ويتألم على من وقع عليه الظلم فكيف إذا وقع الظلم على سيد شباب أهل الجنة يكون من باب أولى.

من الجهة النفسية تمر بالإنسان حالات قد تؤدي بحياته للهلاك كما في قضايا الانتحار المنتشرة في بلاد غير المسلمين لا يوجد نماذج وصلت إلى أعلى درجات الظلم والألم إلا أن ذلك لم يخرجهم عن شكر المنعم والرضا بقضاءه والتسليم له كما جرى للإمام الحسين عليه السلام وأهله وأصحابه ورغم ذلك كانت عبارات التسليم والرضا تسيل منهم فقد رُوي عن الحسين عليه السلام أنه قال (هوّن مانزل بي أنه بعين الله) (٣)

ورُوي عن فخر المخدرات زينب عليها السلام (اللهم تقبل منا هذا القربان إن كان هذا مايرضيك فخذ حتى ترضى) وقالت حين أراد أحد المتشمتين أن يؤذيها فيما جرى على أخيها (ما رأيتُ إلا جميلاً هؤلاء قوم كتب عليهم القتل برزوا إلى مضاجعهم)(٤)

وغيرها من العبارات التي تولد طاقه هائلة وإرادة حديدية لمواجهة أصعب الظروف في هذه الحياة بسبب وجود هذه النماذج والقدوات في حياة الإنسان.

خلاصة الجواب: نبكي على الإمام الحسين عليه السلام لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكاه، ولأن البكاء له دلالات معنوية ومضامين عالية وعلاج نفسي لكثير من الأمراض ولأنه أمر عقلائي وفطري لمن وقع عليه الظلم وإعلان لافت ومهم لمن يريد الحق ويعرف من هو الظالم ومن هو المظلوم وبالتالي تصحيح مسار الأمة من خلال هذا الإعلان الذي يوقظ ضمائر الأمة ويجدد علاقتها بالله سبحانه فيرجو منه الثواب ويخشى الغفلة والندامة في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والحمدلله لله رب العالمين

زاهر حسين العبدالله ٦ / ٨ / ١٤٤٢ هجري

المصادر

(1) كشف الغمة – ابن أبي الفتح الإربلي – ج ٢ – الصفحة ٢٧٠

(2) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤٤ – الصفحة ٢٩٢ – ٢٩٣

(3) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤٥ – الصفحة ٤٦.

(4) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤٥ – الصفحة

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أحسنتم وأجدتم ..
    وأستأذنكم في الإدلاء بهذا النعليق
    وأقول مستعيناً بالله تعالى :
    لا ملازمة بين الهزيمة والبكاء ليقال : بما إن الحسين؛ انتصر فلماذا تبكون؟
    فإن النبي يعقوب عليه السلام كان يعلم بسلامة ابنه يوسف عليه السلام وانتصاره على كيد اخوته وإنه قد اصبح ملكاً في مصر ولكنه ما فتيء يذكره ويبكيه!
    حتى قال له أبناؤه :
    ( قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ)
    حتى فقد بصره..
    وذلك إظهاراً لمكانته ومنزلته عندالله تعالى.

    وقد يقال : إن الحسين ع شهيد وفي الجنة فكيف تبكون عليه؟
    نقول :إن النبي ص بكى عمه الحمزة عليه السلام واستبكى الناس عليه حتى كان اهل المدينة اذا فقدوا عزيزاً تذكروا الحمزة وبكوا عليه!! ولا يرتاب النبي ص والمؤمنون بأن الحمزة من سادات اهل الجنة.. كيف لا؟ وهو أسد الله وأسد رسوله!!

    ويكفي في رجحان البكاء على الشهيد المظلوم إنه – كما تفضل الكاتب وفقه الله- تأسٌٍ بالنبي الأعظم ص الذي بكى الامام الحسين عليه السلام قبل شهادته بما يزيد على خمسين سنة وكذلك اهل بيته عليهم السلام .

    يضاف إلى ذلك إن هذا البكاء وسيلة من وسائل مقارعة الظلم وصرخة مدوية في أذنيه وتسجيل موقف ضده.. ومظهر من مظاهر نصرة المظلوم المأمور بها شرعاً. والحسنة عقلاً..

    ومن جهة اخرى فإن هذا البكاء وسيلة من وسائل تربية النفس عبر الارتباط النفسي والعاطفي بنهج المبكي عليه وهو الحسين عليه السلام.
    إذ من المعلوم والثابت وجداناً إن الارتباط العاطفي بأية شخصية يؤدي ولو بنحو لا شعوري للسير على منهاجها والتخلق بأخلاقها.

    هذه لمحة خاطفة حول فلسفة البكاء على الحسين عليه السلام.
    وأكرر شكري للكاتب على عطائه النافع والدؤوب؛ داعياً له بالقبول والتوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى