أقلام

حسن آل حمادة .. محطات النجاح تبدأ من نقطـة الصفر !

أحــمَــد الـمُــــؤذن

قلة من هؤلاء الكتاب و المثقفيـن الذين تمتلء بهم أروقة ” الفيس بوك” و باقي صفحات و مواقع التواصل الاجتماعي ممن يحمل في جعبته مشروعًا تنويريًا يتخطى عتبة التنظـير الاستهلاكي ، تجد مثل هذه الشريحـة قد بدأت في بواكير حياتها بالتطلع إلى أحلام كبيرة تؤمن بها و تقاتل في سبيلها لكونها تريد تخطي ” الأنا ” الفردية و تنصهر في مجتمعها، تجتهد و تعمل كي تثبت معادلات ثقافية جديدة تتحدى جمود و نمطية الواقـع المعيش .

مثل هذه النماذج لا ترفه نفسها بالجلوس خلف المكاتب الأنيقة ، أو تمارس رفاهية التصوير المبالغ فيه لإبراز ذاتها في سباق محموم لحصد أكبر عدد ممكن من الحضور و الشعبية بين جماهير الواقع الافتراضي ، إنما يشغلها هاجس واحد و جوهري.. كيف يمكن نشر الوعي المعرفي بأهمية الكتاب بين طبقات المجتمع من خلال الاشتباك المتواصل مع الواقع ؟

حيثُ يكون التنظير مقرونًا بالعمل في تكامل منتج يثبت بطلان المقولة المجحفـة و التي تتخذ مسارًا تعميميـًا مفاده .. ” أن المثقف ينظر للجماهير من برجه العاجي الشاهق ” !

خطاب سلبي ضيق الأفق من الظلم تعميمـه على الكتاب و المثقفين ، هنا تبرز تجربة القاص و الكاتب العربي السعودي ” حسن آل حمادة ” لتثبت خطأ المقولة السابقة كما تُـثبت أهمية المشروع الثقافي الذي ينبغي أن يكون بمثابة مرجعية ثقافية تعضد من حراك الكاتب بما يتجاوز نجاحهُ الشخصي وصولا إلى رفع مستوى الوعي الحضاري في مجتمعه .

” بسطـة حسن ” وبهذا النجاح الذي تواصل صنعه كل يوم في عموم المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية ، لهي خيرُ شاهد على الطموح الذي يسكن قلب ” حسن ” وهو يعارك تلك المقولات السلبية المعلبة عن الثقافة و القراءة ، كان بإمكانه الاكتفاء بترديد .. ” المجتمع لا يقرأ ، أصلا لا جدوى من الكتابة و الثقافة  ” ! وهذا تمامًا هو اكثـر الفخاخ هلاكــًا لأي مثقف قليل الخبرة و التجربة يتعثر بصعوبات و تحديات واقعه ثم يعلن استـسلامه بلا قتال حتى !

لكنما روح العزيمة و الإصرار التي عرفتها في شخص ” حسـن ” كصديق و رفيق في درب الكلمة جمعتني به بعض المناسبات القليلة مع تبادل الإصدارات و الحوارات في الثقافة وهواجسها ، اعطتني إنطباعـًا أن هذا الرجل لديه الكثير مما يراهن عليـه .

فقد تخطـى بنجاح كونه كاتبًا ضمن اطار تقليدي حيث يتحرك في فضاءات الصالونات أو يطلق عبر الصحافة تصريحاته ، يوقع إصداراته … إلخ من حياة و انشغالات الكاتب العادي ، آثر أن يحتك برجل الشارع  كي يحبب إليه المعرفة . إن الانتقال من حيز التنظير إلى فضاء العمل الجاد في رأيي كان بمثابة الفتيل الذي أشعل نجاح فكرة ريادية رائعة مثل ” بسـطة حسن ” و التي أصبحت اليوم علامة تجارية دالة على صاحبها و نواة مشروع اكبر في المستقبل القريب .

مجتمعاتنا العربية اليوم حينما يرحل عنها الكاتب المثقف صاحب الرسالة التنويرية ولا يكاد يذكره و يترحم عليه غير نفـرٍ قليلٍ من هؤلاء الأيتام المحاصرين بغربتهم من ذات الدائرة ، تعطي انطباعـًا صادمًا أن البنية الاجتماعية مـتبلدة الاحساس ، معزولة عن حركة وفكر المثقف ، لا تكترث بـه لكونها مشغولة بطحن الحياة وليس لديها الوقت لتقرأ ، بالنتيجـة .. كم خسرنا الكثير من الطاقات المعرفية و الفكرية و الأدبية و تركناها شبه معزولة حينما تجاهلنا نتاجها المعرفي !

الأخ حسن .. في اعتقادي بما يطرح ، فهو ليس بمجرد بائع كتب ربما تصادفه على أرصفة أي مدينة عربية هنا أو هناك ، إنما هو يتحرك برتبة سفيرٍ للثقافة و القراءة ، يعيد للمثقف و الكاتب مكانته التي يستحقها وسط مجتمعه، فهو شجع الصغير قبل الكبير وأجتهد من خلال الدورات و الندوات التي قدمها لعموم الناس المهتمين كي يجعل القراءة سلوكـًا حضاريـًا وليس استهلاكـًا مترفـًا ابتغاء التباهي ، نعم لمثل هذه الأفكار الخلاقة التي تعطي بصدق ولا تقف عند حدود الربح المادي في معادلة الربح و الخسارة ، الرهان على إحـداث التغيير و بهدوء في المجتمع يبدأ مع هكذا أفكار محفـزة بلا شك تنجح وهي تؤكـد صلاحية بقائها و قابليتها للحياة في أي منطقـة من المملكة العربية السعودية أو دول مجلس التعاون الخليجي .

هذا هو ما نحتاج إليه .. المثقف المستمـر في كفاحـه لمحاربة الأمراض الثقافية و البديهيات المغلوطـة و المقولات الاستهلاكية المعلبـة المعطلة للهمـة التي تصادر في دواخلنا رغبة التغيير و النهوض الحضاري لمجتمعاتنا . لا نبالغ عندما نـؤكد هنا أن ” بسطــة حسن ” ولدت لتكون نواة مشروع أكبر من نطاقها الشخصي المحدود الراهن ، أتمنى على بلداننا العربية عدم التلكؤ في اقرار استراتيجيات تحفيزية تتوجه لتشجيع اكتساب المعرفة و القراءة و تشجيع الأجيال الجديدة عليها .

لنتوحد ونعلنها .. ” نعم لا غنى عن المكتبة في كل بيت ” ! التمسك بهذا الشعار في رأيي المتواضع هو بداية الطريق نحو تثقيف مجتمعاتنا المحلية و العربية و رفع مستوى الخصوبة المعرفية في أوساطها ، فشكرًا لك أخي حسن ، أنت احـد هذه الأمثلة الجميلة التي تشحن أرواحنا بالأمـل و كم نطمح أن نستنسـخ منك نماذج كثيرة نوزع عطرها على أكبر مساحة جغرافية في مدننا العربية من المحيط إلى الخليج، فكلنا على ثقــةٍ بصوابية نهجك الثقافي المدروس وكأنني بلسان حالك لا يشغلك القلق و أنت فوق البساط الأخضر على كورنيش القطيف تستقبل محبي القراءة فتقول:

( نعم من حقك أيها المواطن أن تأكل وجبة غذائية لذيذة  و لكن لا تنسى أن تغذي عقلك و لا تتردد بزيارتي هنا ، فما دامت بسطـة حسن موجودة فإن القراءة و الثقافة بخيـر) !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى