أقلام

يوميات متكرونة مُحصنة (٣)

زينب علي

في آخر أيام الحجر الصحي اضطررت للذهاب إلى المستشفى، بسبب هبوط الضغط، ولأخذ الأدوية اللازمة.
ذهبت إلى (عيادة تطمن) وسلكت الممر باتجاه القسم الخاص بمصابي كورونا.

طُلب مني الجلوس إلى حين مُناداتي، وفي أثناء ذلك تأملت في أحوال المرضى في هذا القسم.

رأيت شيخاً كبيراً يضرب على صدره لالتقاط أنفاسه، وآخر يمسح على ركبتيه كي يُسكن ألم مفاصله، ورأيت فتاة تتصفح هاتفها الجوال، وتبدو بوضع جيد، وشاباً بالكاد يجرُ رجليه ليصل، فهبت إحدى الممرضات لإسعافه “اجلس على الكرسي.. اجلس”.

ورأيت طفلاً يرتجف من الحُمَّى، وطفلاً آخر يلعب بسيارته الصغيرة، ورضيعاً لم يزل في قماطه يعطس ويكح، وعجوزاً حملها الطاقم الطبي فور وصولها إلى غرفة الطورائ.

اقشعر بدني من هول ما رأيت .. يالله .. كورونا فعلاً جائحة متعددة الوجوه، ومختلفة الأعراض.

أيقنتُ حينها أن كورونا يشبه الفصول الأربعة، إما صيف يلهب مصابيه بـِ (الحُمى)، أو خريف تتساقط فيه أوراق (الصحة)، أو شتاء يلسعك بالبرد، أو كالربيع يمر خفيفا.

غفوت وأنا أنظر إلى تساقط قطرات المحلول الوريدي قطرة .. قطرة، وإذا بصوت الممرضة الهادىء: “ما شاء الله.. معدل الضغط صااار زين.. زينب يلا شوي وتقومين”.

استحضرت قول أمير المؤمنين علي (ع): “من ساء عزمه رجع عليه سهمه” فاستجمعت قوتي ونهضت مقاومة سهام كورونا وفصوله المؤذية، عازمة على أن أكون في فصل الربيع.

عُدت إلى بيتي وعانقتُ أطفالي وأخبرتهم بابتسامةٍ عريضة إني في حالٍ جيدة. ونثرت فيهم طاقتي الإيجابية بقولي: “خلااااص ما بقى إلا القليل .. احنا انتصرنا على كورونا.. خلونا نستعد لمولد الإمام الرضا”.

تظاهرت بالشفاء، وسعيت إلى شغل فراغي بما أحب من هوايات، يوماً بعد يوم حتى تماثلت حقاً للشفاء -ولله الحمد- وإذا بي أفتح تطبيق (توكلنا) فيظهر لي بلونه الأخضر الذي اعتدت عليه فيما سبق، وبحالة (مُحصن).

بعد انتهاء فترتي الكورونية استنتجت أن كورونا ربما يصيب الجميع؛ المُحترز والمخالط، المُحصن وغير المُحصن، الكبير والصغير، الحوامل والرضع..

في النهاية يجب علينا الأخذ بالأسباب الصحية، فإن أُصبت بعد ذلك فهو من الله تكفيراً لذنوبك وطهارةً لبدنك، ورفعةً في درجتك وربما كرامةً لك.

وإن أُصبت بسبب تهاونك وإهمالك فهو من نفسك، فتحمل ما يأتيك ولا تلم إلا نفسك، فـ لائحات (نعود بحذر) المنتشرة في الأرجاء، لم تُعلق عبثاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى