أقلام

الحاج عبدالمجيد البن عيسى.. السيرة والمسيرة

عبدالله البن عيسى

عائلة البن عيسى والصياغة ومجتمع الصاغة:
الصياغة هي مهنة الآباء والأجداد، ولم تعرف العائلة في تاريخها مهنة غير مهنة الصياغة، حتى في وثائقها القديمة كان يُكتب بعد اسم العائلة (بن عيسى) كان يكتب (الصايغ) وقد اطلعت على وثيقة (وهي المرفقة بالأسفل) تعود إلى عام ١٢٤٤هـ الموافق ١٨٢٩م، وهي وثيقة بيع وشراء. كان المشتري محمد بن حسن بن عيسى الصايغ وبوكالته الشرعية عن أخويه علي وعبدالله أولاد حسن بن عيسى (١)

تاريخ الوثيقة ٢٦ / ١٠ / ١٢٤٤هـ.
فمنذ قدومهم من الهفوف إلى فريج العتبان بالمبرز في بادىء الأمر، ثم نزوحهم إلى فريج الشعبّة بالمبرز وهم من أقدم أسر الصاغة تواجداً بالشعبّة، ومن الشعبّة كان منطلق المصاهرات مع أسر الصاغة التي استقرت في الشعبّة، وبدأ تكوين مجتمع الصاغة لمشاركات متعددة: منها رابط القرابة والجيرة، والمهنة الواحدة وهي صياغة الذهب التي لايزال هذا المجتمع الكريم في مصاهراته إلى الآن، فلا تجد فرد من أبناء مجتمع صاغة المبرز إلا وتكون قرابته مع بقية أسر الصاغة، إما ابن عم أو ابن عمة، أو ابن خال أو ابن خالة، فاندمجت الدماء وتوحدت الأعراف، وصاروا أسرة واحدة، فلا يُفرّق بين أبناء الصاغة من ملامحهم ومن لهجتهم التي عرفوا بها في محيطهم بالمجتمع الأحسائي، فكانت المهنة والمصاهرة البذرة الأولى في تكوين هذا المجتمع الكريم الذي عُرف بالجود والسمة الطيبة، فكان ثقة العلماء وأهل الفضل، ولا يزال أبناء أسرة البن عيسى محافظين على هذه المهنة أباً عن جد وجيلاً بعد جيل، متمسكين بهذا الإرث العائلي القديم حتى مع التطور والإنفتاح الذي يهدف إلى بذل الجهد، ونيل المراتب العُليا في المسارات المتعددة التي تمثلت في التعليم والطب والهندسة، وسواها من المهن التي أصبحت سائدة في الجيل الحديث بداخل المجتمع الأحسائي، أو غيره من المجتمعات، بل في العالم كله. ولا تزال الأسرة محتفظة بمهنة الصياغة، ولايزال كثير من أبناء أسرة البن عيسى محافظين عليها، ومزاولين لهذه المهنة حتى مع نزوح قرابة نصف العائلة إلى الدمام، فتجد بعض من أفرادها يعمل في المهنتين: المهنة التي بذل جهده بها ونال شهادته فيها، سواء كان في مرحلة الدبلوم أو البكالريوس أو الماجستير وحتى الدكتوراة كذلك، تجده يعمل في الصياغة، والبعض يعمل في الصياغة خلال الإجازات الصيفية، فهي المهنة التي عرفوها وتربوا على إتقانها ومعرفتها والتمييز والتميز بها، وأعني بذلك بيع الذهب والمجوهرات. اما الصياغة باعتبارها حرفة يدوية في الجيل المعاصر لم تعد كالسابق، وقد كان آخر المتقنين هم الآباء والأجداد- رحمهم الله – ولم يبقَ في مجتمع الصاغة بالأحساء والدمام عموماً من يمتهن الصياغة باعتبارها حرفة يدوية إلا القليل جداً، ومع التطور جاءت الآلات والمكائن في المصانع المختصة بصياغة الذهب والمجوهرات لتؤدي الغرض مادياً وجهداً.

العم عبدالمجيد السيرة والمسيرة:

هو الحاج عبدالمجيد بن محمد بن حسن بن عبدالله بن حسن بن عبدالله بن عيسى (الصايغ). ولد عام ١٣٣٩هـ الموافق ١٩١٨م على وجه التقريب، في فريج الشعبّة القديمة بالمبرز/الأحساء، وهو اليوم نفسه الذي ولد فيه أخوه من أبيه الحاج عبدالله محمد بن عيسى (بوأحمد) -رحمهما الله، ووالدته هي الحاجة مريم بنت حسين الدجاني (والدجاني فرع من آل الناصر “صاغة المبرز”). وترتبط أسرة البن عيسى بالناصر عموماً والدجاني خصوصاً بمصاهرات قديمة وكبيرة كما هي مع بقية عوائل الصاغة، إلا أنّ لأسرة الدجاني ارتباط قديم وكبير جداً، فجميع آل الدجاني خوالهم البن عيسى، وبما يقارب نصف أبناء عائلة البن عيسى من الجيل الجديد خوالهم الدجاني فالارتباط وثيق وقديم بين العائلتين.

الإخوة والأخوات:

جميع إخوة العم الحاج عبدالمجيد البن عيسى- رحمه الله- هم إخوة غير أشقاء. وإخوته من والده هم: الحاج حسن (بوأحمد) جد بوهود البن عيسى، والحاج سلمان (بوحسن السلمان البن عيسى)، والحاج عبدالله (بوأحمد)، وأخته من أبيه هي نوره زوجة المرحوم الحاج بوعايش الدجاني- رحمهما الله- ولم تنجب. أما إخوته من والدته فهم: الحاج حسين السميّن (والد المرحوم الشيخ عبدالله السميّن الملقب بـ “الوائلي الصغير” بومحمد) وأختاه من والدته هما: الحاجة أم الحاج حسين السميّن (والد الشيخ عبدالرسول السميّن) والحاجة (أم الحاج عبدالهادي السميّن)

الزوجات والأبناء:

تزوج العم عبدالمجيد من ثلاث نساء، الزوجة الأولى هي المرحومة الحاجة آمنة بنت حسين بن علي الدجاني (أم محمد) رحمها الله التي أنجبت الحاج محمد (بوعبدالمجيد)، والحاج علي (بوماجد)، اللذين ورثا والدهما العم عبدالمجيد ورافقاه في صياغة السيوف والخناجر بمهاره في فترة تربو على خمسين عاماً من الزمن، وأنجبت الحاجة أم محمد -رحمها الله، كذلك من الإناث الحاجة أم محمد “بوهود” زوجة المرحوم الحاج أحمد حسن محمد بن عيسى، والحاجة أم هاني زوجة الحاج راضي حسن محمد بن عيسى، والحاجة أم مرتضى زوجة الحاج أحمد محمد أحمد بن عيسى.
أما الزوجة الثانية فهي المرحومة الحاجة نورة بنت عمران بن حميد الصايغ رحمها الله، وهي من مواليد حماسة البريمي، وقد نزحت أسرتها قديماً من الأحساء الى حماسة البريمي، وتقع قديماً في المثلث الواقع بين الإمارات وسلطنة عُمان، أما الآن فالقسم الذي ولدت فيه المرحومة الحاجة نورة الصايغ، وعاش فيه مجتمع الصاغة طلباً للرزق هو تابع الآن لسلطنة عُمان. وقصة زواج العم عبدالمجيد من المرحومة الحاجة نورة بنت عمران الصايغ، يتحدث ابنها بويوسف أن جده الحاج عمران الصايغ ابن عميد الصاغة بالبريمي المرحوم الحاج حميد الصايغ جاء مع زوجته إلى رأس تنورة لزيارة أخيها حسن بن عرب، وكان يعمل في شركة أرامكو السعودية. وعندما جاء الحاج عمران جاء بِعِدَّة الصياغة معه، وقد طلبت زوجته البقاء مع أخيها في رحيمة برأس تنورة، حينها أقام الحاج عمران برأس تنورة وعمل في تصليح المصوغات، وحينها علم بعض أبناء الصاغة بقدوم حجي عمران الصايغ إلى رحيمة، وكان للحاج عمران ثلاث بنات. وفي تلك الفترة بعد وفاة زوجته الأولى أم محمد رحمها الله، أراد العم أن يتقدم لخطبة المرحومة الحاجة نورة بنت الحاج عمران، وكان معه المرحوم الحاج طاهر النمر، والحاج محمد حسن العبدالله النمر رحمهما الله، فقال لهم الحاج عمران إنه يعرف محمد بن عيسى( والد المُترجم) ، ولكن لا أعرف عبدالمجيد، أعطوني فرصة أسأل. وكانت هناك علاقة وطيدة بين الحاج عمران والمرحوم الحاج أحمد الميدان رحمه الله الملقب بـ(حاتم الصاغة)، فقال له: “جانا عبدالمجيد ولد محمد بن عيسى اللي أخوه حسن الغتم بطلب يد بنتنا، أنا ما أعرفه، فقالوا له شتقول؟ ذا مجيد توكل على الله وعطه” فتم زواج العم عبدالمجيد من الحاجة نورة بنت عمران بن حميد الصايغ التي أنجبت الحاج أحمد (بويوسف)، والحاج عبدالله (بومحمد)، والحاج حسن (بوعبدالعزيز)، وعبدالحق (بوعلي)، وماجد (بوعبدالله)، وحيدر، والحاجة أم محمد زوجة الاستاذ الحاج حسن عبدالله بن عيسى، والحاجة أم ماجد زوجة الحاج عبدالمجيد علي “بوحسين” بن عيسى، والحاجة أم شاهين زوجة الحاج علي محمد أحمد بن عيسى، والحاجة أم محمد زوجة الحاج أحمد سلمان أحمد بن عيسى، والحاجة أم محمد زوجة الحاج أحمد حسن الوايل.
أما الزوجة الثالثة فهي الحاجة زهرة بنت عبدالله بن عبداللطيف الدجاني حفظها الله، وهي بنت أخت الزوجة الأولى أم محمد، وقد أنجبت الحاج عبدالغني (بورضا)، والحاج عبدالخالق (بوكاظم)، وعبدالمنعم (بوعبدالمجيد)، وعبداللطيف، وعبدالرزاق، والحاجة أم حسن زوجة الحاج علي عبدالحسين الدجاني، والحاجة غنية زوجة الحاج أحمد السميّن.

العم عبدالمجيد والصياغة، مسيرة الكفاح:

في باديء الأمر ننوه إلى أن العم عبدالمجيد درس عند السيد ياسين الموسوي في صغره، وقد زامله من المشاهير الشيخ محمد حمد الجبر، والشيخ عبداللطيف الجبر، وقد انتظم في سلك الدراسة الليلية ببداية العشرينات من عمره تقريباً، حتى أن ابنه بو يوسف يروي أن العم عبدالمجيد كان يحفظ كثيراً من أبيات شاعر الاحساء المشهور علي ابن المقرب العيوني الأحسائي، ويرويها. وابن المقرب هو سليل الدولة العيونية التي أطاحت بالقرامطة، ويعد ديوانه الشعري من أهم المصادر التاريخية لتلك الحقبة لتاريخ المنطقة، وهو من شعراء القرن السادس والسابع الهجري، ولكن لأن العم عبدالمجيد بن عيسى رحمه الله هو ابن هذه الأسرة التي امتهنت صياغة الذهب أباً عن جد مهنة تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، من الطبيعي أن ينشأ في هذا الإطار. ولأنه بالسابق -أي بالقرن الماضي- لم تكن الأمور كما هي الآن أسهل وأكثر يسراً، بل كان يُفرص على الفرد مواجهة كافة المصاعب، مع ما بها من قسوه ومتاعب، ويُطلب من اجتيازها اجتيازاً يتطلب الجهد الكبير، وهذا ماكان عليه العم عبدالمجيد منذ صغره. وقد بدأ حياة الكفاح في الصياغة بمشاركة أخيه من أبيه الجد الحاج عبدالله بوأحمد -رحمهما الله- والعمل بالصياغة في المنزل، وكانا يذهبان إلى الهفوف ويعودان يومياً
للعمل عند أسرة الحسن المهنا، والحاج حسن الديّن -رحمه الله- الذي كان من كبار الصواغ في مدينة الهفوف (٢).
وكان العم عبدالمجيد بارعاً في الصياغة منذ صغره، وهناك الكثير ممن يعمل بالصياغة آنذاك، ولكن حديثنا عن مهارة الصياغة، والدقة والفن والإبداع في النقش. وسنضع بعض أعمال العم عبدالمجيد في أسفل المقال، وصوراً لبعض مصوغاته الدقيقة الإبداعية. وفي سياق العمل بالهفوف يُذكر أنه حينما كان صغيراً في ذلك الزمن كان الحاج حسن الديّن يدرك بأنه من أعمدة الصاغة بالهفوف، وكانت تأتيه طلبات لصناعة السيوف والخناجر من قبل بعض أفراد الحكومة، فكان حريصاً بأن يجمع أمهر الصاغة ليكون العمل دقيقاً إبداعياً، فاقتُرِحَ عليه اسم العم عبدالمجيد لما عُرف عنه من مهارة في الصياغة، فطلب الحاج حسن الديّن رحمه الله مقابلته، وعندما جاء العم عبدالمجيد، فوجىء الحاج حسن الديّن بصغر سنه حيث كان يبلغ من العمر حينها اثني عشر عاماً، فلما رآه صغير السن اراد الحاج حسن الديّن اختباره، فطلب منه أن يأتي بنحاس ويصبه ليرى هل يجيد الصياغة قبل تسليمه الذهب خوفاً من عدم إتقان العمل أو تضييع قطع الذهب، حينها تضايق العم عبدالمجيد و(حز بخاطره) لأنه لم يأتِ إلا وهو على ثقة بما يمتلكه من مهارات رغم صغره، ولم يشاد به ويُقترح اسمه إلا بما كان يمتلكه من مهارة شديدة، حينها قال المرحوم الحاج ملاعلي السميّن (بوعبدالحسين) للعم عبدالمجيد: “يامجيد وره إنك تقدر تسويه”، فأثبت العم عبدالمجيد ذلك واجتاز الاختبار بمهارة فائقة. وعمل عند الحاج حسن الديّن فترة وجيزة بسبب حب العمل المستقل ولم يكمل، حينها شارك الجد عبدالله فجمعا ٧٠٠ ريال، وتقاسماها، ومع هذا المبلغ المُجزي قديماً قامت والدة كل واحد منهما بخطبة بنت أخيها لابنها (زوجة العم عبدالمجيد هي بنت ابن أخيها وهي “أم محمد”)، وبعد أن تزوجا استقل كل واحد منهما حيث أن أخاه الجد عبدالله اشترك مع المرحوم الحاج محمد الدجاني، والمرحوم الحاج ياسين السميّن رحمهم الله، أما العم عبدالمجيد فعمل مع خواله الدجاني.

وقد اشتهر العم عبدالمجيد بصياغة المرتهش، والهامة، والمرتعشة بجودة عالية. ويذكر أنه كان هنا صائغ شهير بالرياض من العبودي كان يأتيه من الرياض لعمل بعض المصوغات له، لجودة إتقانه كثير من المصوغات -كما تحدث ابنه الحاج بويوسف. وذكر الأستاذ أحمد بن حسن البقشي في كتابه (من الذاكرة الأحسائية) أنه ممن اشتهر عنه إتقان وجودة صياغة المرتعشة (٣). والعم عبدالمجيد من الذين لم يتركوا الصياغة في تاريخهم، ولم يعملوا بغيرها، فقد مرّت على الصياغة والصاغة حالة من الضعف الاقتصادي مما حدا بالكثير من الصاغة أن يعمل في مهن غير الصياغة، كخياطة البشوت، وبيع الأغنام، وغيرها من المهن لمدخولها الذي قد يفوق بيع الذهب للطلب عليها، إلا أنّ العم عبدالمجيد من القلائل الذين لم يتركوا الصياغة في حالة الرخاء والشدة، وهو من أوائل الذين عملوا في الصياغة بسوق السلام بالدمام وكذلك في بالثقبة.

دكان العم عبدالمجيد البن عيسى بالمبرز

العم عبدالمجيد رحمه الله وهو يزاول مهنة الآباء والأجداد صياغة الذهب.

صناعة الخناجر والسيوف وصياغتها عند الأحسائيين:

يقول الأستاذ أحمد البقشي في كتابه الذاكرة الأحسائية: إن المصنوعات التي يقدمها المهني الأحسائي كثيرة ومتنوّعة، امتازت بالجودة والإتقان، ولذا كانت مرغوبة للاقتناء محليا وإقليميا. من هذه المصنوعات التي افتخر بها دائماً صاغة الأحساء (الخنجر الحساوي). ولقد تعلّق العربي بالسلاح تعلّقاً شديداً، من جهة الحاجة إليه أولاً كسلاح أبيض للدفاع عن النفس، وجزء من الزينة الرجالية، وتعكس قيمة الخنجر وزينته، ومكانة الرجل الاجتماعية والمالية. وقد تحدث بإسهاب حول الخنجر الحساوي بشكل مفصل في كتابه، وقد تحدث عن كثير من المزايا التي امتاز بها الأحسائيين (٤)

وقد كان الناس في أمس الحاجة للعمل، فكان بعض من أبناء الصاغة امتهن الغوص حيث انتقلوا إلى الساحل بما يعرف الآن إمارة دبي في الإمارات، وبحكم كونهم صاغة عندما قدموا إلى دبي كان الغالب الأعم في تلك الإمارة يستخدم الفضة أكثر من الذهب، فأراد أبناء الصاغة اقتناص الفرصة بحكم تواجدهم في دبي بعمل صياغة الذهب، ولكن لم يجدوا من يستخدم الذهب إلا القليل، حينها بدؤوا يصوغون الفضة وفق مايطلب منهم، فيعملون مثلاً بعض المصوغات من الفضة مثل (الحجول) و(حب الهيل) و(ملبوس الفضة الذي يغطي الجزء العلوي من الجسم كالرأس والرقبة) … إلخ من المصوغات، ولكن بطبيعة تلك الظروف الزمنية الصعبة، ومع ضعف الاقتصاد لم يكن هناك طلب كبير حتى على الفضة من ناحية الاقتناء والطلب، حينها بحكم مهارتهم بالصياغة والطلب على الأسلحة كالسيوف والخناجر والجنبيات لانتشارها واستخدامها في تلك المناطق. ومن الذين ذهبوا من عائلة البن عيسى في تلك الحقبة هم الجد الحاج محمد حسن بن عيسى (والد العم عبدالمجيد) وولداه العم حسن (بوأحمد) والعم سلمان (بوحسن السلمان)، والحاج جعفر بن عيسى رحمهم الله، وهم من الذين ذهبوا هجرة متقطعة حيث إن هناك من هاجر هجرة مستدامة، والجد محمد (والد العم عبدالمجيد) والجد حسن (جد العم عبدالمجيد) كان لهما الفضل في تعليمه هذه المهنة والبراعة التي امتاز بها.
وينقل أن أول من ذهب للعمل من الصاغة في الساحل سابقاً حينها وهو مايعرف الآن بالإمارات هو الجد الحاج محمد حسن بن عيسى. وقد رأيت وثيقة أثناء تواجد الجد محمد بن عيسى في تلك الفترة، والصاغة الذين عملوا بصياغة الخناجر والسيوف وتوراثوا المهنه وهي حرفتهم، ومن خلالهم تعلم العم عبدالمجيد رحمه الله صناعة الأسلحة وصياغتها كالخناجر والسيوف. وقد أجاد وأبدع فيها، وانتشرت مهارته على مستوى الخليج.
ومن باب (الشيء بالشيء يذكر) أن الصاغة -ومنهم الحاج حميد الصايغ- هم من أدخلوا حرفة الصياغة الى إمارة الشارقة، وهذا يوّضح دور الأحسائيين في نشر الحرف والمهن في الخليج. والحاج حميد الصايغ هو جد المرحومة الحاجة نورة بنت عمران بن حميد الصايغ (أم أحمد بن عيسى) زوجة العم عبدالمجيد الثانية.

مصاغات العم عبدالمجيد للسيوف والخناجر ومايعرف في (بالدوجاني) أو (الديجاني).:

مع الهجرة المتقطعة من صاغة الأحساء إلى دبي والبريمي للعمل في صياغة الخناجر والسيوف -الذي كما ذكرنا آنفاً – كانت هناك هجرة متقطعة ومستدامة بين الخمسينات والستينات، وعاد كثير من الصاغة إلى الأحساء واستقروا بها، وبدأت التغيرات ولايزالون ممتهنين الصياغة، منها صناعة الخناجر والسيوف بما تقتضيه الحاجة والطلب. وفي بداية الخمسينات مع توسع شركة أرامكو السعودية في إنتاج النفط (٥) صار هناك إقبال كبير من أبناء مناطق المملكة العربية السعودية للانضمام إلى شركة أرامكو، ومنهم أبناء المنطقة الجنوبية، والجنبية نوع من الخناجر العربية، ويطلق هذا الوصف عادةً في وصف الخناجر التي تربط بحزام حول الخاصرة، وهي إرث شعبي في المنطقة الجنوبية في المملكة، وعندما يحتاجون إلى صيانة الجنبية يذهبون إلى أسواق الصاغة الذين يصنعون الخناجر ويصوغونها، ومنها الجنبية. كانوا يقصدون الصاغة بالأحساء والدمام حتى اشتهروا عند أهل الجنوب، ومن يحب اقتناء مثل هذه المصوغات. وفي تلك الفترة لم يكن لتلك الخناجر اسم، ولكن كان ختم المصاغ للجنبية للشركاء الأخوين المرحوم الحاج محمد بن علي الدجاني، وأخيه المرحوم الحاج حسين الدجاني (والد المرحوم عبدالله وأخيه الشاعر علي الدجاني ووالد زوجة العم عبدالمجيد بن عيسى الأولى أم محمد رحمها الله هو “الدجاني“)، حينها قام الأخوان رحمهما الله بطلب العم عبدالمجيد -وهو ابن عمتهم- العمل معهم صبي بخرجية أسبوعية، فوافق العم عبدالمجيد على العمل معهم، وكان يستلم خرجيته أسبوعياً، ولكن مع ظروف أدت إلى تأخر دفع الخرجية الأسبوعية إلى ثلاثة أشهر، اقترح الأخوان محمد وحسين الدجاني على العم عبدالمجيد الدخول كشريك ثالث بالمستحقات التي له، وبكون الختم للأخوين، وهم اثنين هو الدجاني، والعم من البن عيسى وهما الأقدم. فبطبيعة الحال أن يبقى الختم للشركاء الثلاثة باسم الدجاني، فوافق العم عبدالمجيد وأصبح شريكاً ثالثاً، وهكذا استمر العمل بصناعة الخناجر باسم الدجاني، واشتهرت عند أهل المنطقة الجنوبية على وجه الخصوص، فصارت تتداول عند الناس وتُطلب كثيراً لشهرتها (أي بطلب شغل الدجاني) وقد حرفت الكلمة عند البعض فصار ينطقها (الدوجاني) أو (الديجاني) وقد استمرت الدجاني معروفة بالدقة والحرفية العالية، وحينما تمتزج الخبرة في العمل والدقة الحرفية ستكون النتيجة مبهرة، واستمر العم عبدالمجيد في صناعة خنجر الدجاني حتى بعد استقلاله عن الأخوين المرحومين الحاج محمد والحاج حسين الدجاني رحمهما الله، واستمر بختم الدجاني فترة بسيطة بعد استقالته، ثم تحول الختم بعد ذلك إلى ختم باسم دكان عبدالمجيد بن عيسى الأحساء، وهذه هي قصة العم عبدالمجيد مع خنجر الدجاني الذي ذاع صيته، وقد استمر العم في صياغة الخناجر حتى أواخر حياته برفقة ابنيه الحاج محمد بوعبدالمجيد والحاج علي بوماجد بما يربو على خمسين عاماً في صياغة الخناجر والسيوف والمصاغات بعمومها الذهبية والفضية.

– لقاء صحافي مع العم عبدالمجيد عن صناعة الخناجر والسيوف

– ختم العم عبدالمجيد المسمى دكان عبدالمجيد بن عيسى الأحساء

السمات الطيبة والصفات الحميدة:

حينما نتحدث عن العم عبدالمجيد رحمه الله فهو حقاً من الرجال القدوة، فليست مسيرته الكفاحية في عمله وهو المحب والمكافح إلى أواخر حياته محباً للعمل ومكان العمل حتى في آخر حياته، صار دكانه مجلسه منذ بداية العصر إلى حين صلاة المغرب وكان دكانه محل لقاء من يماثله بالسن من أهل فريج الشعبة، ومن خارجها هذا من جانب العمل، وحبه الاجتماع بالمؤمنين، ومن جانب آخر هناك سمات طيبة اتصف بها العم عبدالمجيد بومحمد تمثلت في أداء الأمانة وحفظ الحقوق، وهذه سمة عرفت بها العائلة داخل المجتمع وخارجه، ولم يكن العم كثير الكلام إلا بما هو خير، وقد رأيته كثير الابتسامة، في مقابل الصفة الطبيعية لكبار السن مثل الغضب والتضجر بسبب دواعي الكبر، إلا أن العم حتى في مرضه وظهور أعراض الكبير عليه كان هادئاً مبتسماً ذا مروءة، وكما اعتادت العائلة في حياة العم عبدالمجيد رحمه الله، الذهاب للمعايدة في مجلسه بحكم كونه عميدها وكبيرها، فكان اللقاء في كل عيد بمنزل ابنه الحاج أحمد بويوسف، وكان العم في الاستقبال عند الدخول إلى المجلس مرحباً بأبناء العائلة كبيراً وصغيراً، ويقبلهم قبلة الأب الحاني على أبنائه، يقول الحاج محمد الحمد الناصر (بوعلي) “رحم الله الحاج عبدالمجيد رحمة الأبرار فقد كان محباً للخير، وواسع الصدر، ولا يبخل بوقته من أجل شرح بعض المستجدات في عالم الصياغة وحساباتها لبعض الأميين، فوالدي رحمه الله وهو لا يقرأ أو يكتب يذهب لجاره في المحل الحاج عبدالمجيد ليشرح له الأوزان الجديدة (الجرام وأجزاؤه ومضاعفاته) بعد فرضها من الدولة بعد أن كان الصاغة يزنون بالجنيه وأجزائه أو بالتولة”. هذا من جانب عائلته، ومن جانب بيته: تعدده للزوجات إلا أنه جعل بيته حقاً بيتاً واحداً متوحداً، الأخ يشد عضده بأخيه كالبنيان المرصوص، وكأن الإخوة هم إخوة أشقاء من أم واحدة، وقد حدثني ابنه الحاج بويوسف، يقول إن والده كان صبوراً جداً حكيماً في اتخاذ أي تصرف، ولم يشعره أبداً بالتفريق بين الأخوه بل جعل الأخوه جسداً واحداً بقلبٍ واحد وهذا ما انعكس على جميع ذريته ذكوراً وإناثا، حتى بعد رحيل العم عبدالمجيد إلى الرفيق الأعلى بقى ما أسسه في أسرته متوراثاً جُبلت به أسرته إلى أحفاده، ولا سيما صفة العدل بين الزوجات والأبناء، و انعكاس ذلك في وجدان الجميع لَصفةٍ عظيمة، قلّ من يستطيع التوفيق بهذا الشكل الذي يلاحظه جميع من يعرف بيت العم عبدالمجيد رحمه الله في كيفية تماسك أسرته تماسكاً قلبياً قبل كل شيء، أدام الله هذه المودة والتراحم بينهم، وهذا هو امتثال لشرع الله الحنيف ودينه العظيم.

إسهامات العم عبدالمجيد الخيرية في خدمة أهل البيت عليهم السلام وخدمة المؤمنين:

هناك إسهامات كثيره لم يحبذ الحاج أبويوسف ابن العم عبدالمجيد ذكرها، ولكن مع تكرار السؤال، ولا سيما حول مايذكر بخصوص الحسينية الجعفرية العامرة بالمبرز بفريج الشعبّة ومساهمته في توسعتها، ذكر الحاج بويوسف أن أحد بيوته أدخله في الحسينية الجعفرية، وأن الجزء الجنوبي من الحسينية الجعفرية هو سابقاً منزل العم عبدالمجيد رحمه الله، أما مساعدة المؤمنين فهناك بعض من الأسر المتعففة كانت تعيش على عطاءات العم عبدالمجيد رحمه الله، ولم يُفصّل أكثر ابن العم بويوسف حول هذا الموضوع ، ولم يتحدث بويوسف إلا بعد تكرار السؤال عليه، فرحم الله العم عبدالمجيد رحمة الأبرار وحشره مع محمد وآله الأطهار.

وفاته:

توفي العم عبدالمجيد بن عيسى رحمه الله عام ١٤٣٢هـ بعد سيرة عطرة ومسيرة من العطاء وما أبقاه بعد رحيله من السيرة العطرة التي حفظت وعرفت بين المؤمنين، وبهذا نختم هذه السيرة الموجزة عن العم عبدالمجيد رحمه الله رحمة الأبرار وحشره مع النبي وآله الأطهار.
…………………..

(١) كتاب أربعة قرون من تاريخ الأحساء عبر الوثائق تأليف حسين علي الشواف الكتاب الأول ١١٠٠ هـ – ١٢٥١ هـ ج١ ص٢٩٤ ص٢٩٥ ص٢٩٦

(٢) كذلك حدثني المرحوم الشيخ محمد بن محمد المهنا رحمه الله بأنه كان يذهب مع جدي الحاج عبدالله إلى الهفوف للعمل عند أسرة المهنا بالهفوف للصياغة

(٣) كتاب من الذاكرة الأحسائية “صفحات من تراث الأحساء في القرن العشرين” تأليف أحمد حسن البقشي ج٢ ص٢١٨

(٤) كتاب من الذاكرة الأحسائية “صفحات من تراث الأحساء في القرن العشرين” تأليف أحمد حسن البقشي ج١ ص٤٩

(٥) تاريخ نشأة شركة أرامكو السعودية على هذا الرابط

ملحق الصور الشخصية، وبعض المصوغات للعم عبدالمجيد.:


– صورة تعد من الصور النادرة للعم عبدالمجيد وهو يحمل ابنيه الحاج محمد بوعبدالمجيد والحاج علي بوماجد


– صور شخصية منوعة للعم عبدالمجيد رحمه الله ولعلّ الصورة الوسطى هي من أقدم الصور له حينما كان بين السادسة عشرة والعشرين عاماً من عمره


– العم الحاج عبدالمجيد بن عيسى في دكانه يقوم بعمل بعض المصوغات

صوره في دكانه الذي صار مجلساً يرتاده الأقارب والأهالي من فريج الشعبة وخارجها وهو بجانب الدكان الذي يعمل به

مقطع فيديو قديم من تصوير الحاج علي حسن العبدالوهاب للعم عبدالمجيد ويظهر مع ابنيه اللذين رافقاه في الصياغة الحاج محمد بوعبدالمجيد والحاج علي بوماجد للمشاهدة اضغط هنا على الرابط

صور بعض المصوغات :

مبخر من الفضة الخالص عمره ٦٠ عاماً

خنجر بصياغة حرفية عالية دقيقة للعم عبدالمجيد بن عيسى


من الأختام التي كان يستخدمها حتى آخر فترة عمله باسم
(عبدالمجيد و محمد الدجاني)

هامة من صياغة عبدالمجيد لها مايقارب خمسين عاماً، الهامة من الخلف ويظهر فيه ختم العم عبدالمجيد

حجول من الفضة الخالصة وقد صاغها العم عبدالمجيد وهي من أواخر مصوغاته التي صاغها بيده، وهي لحفيده عبدالعزيز بن حسن وعمرها ١٩ عاماً

مقتنيات العم عبدالمجيد رحمة الله عليه الشخصية

مقتطفات من الصور:

أخوه الأكبر من أبيه المرحوم الحاج حسن (بوأحمد)

أخوه من أبيه المرحوم الحاج سلمان (بوحسن السلمان)

أخوه من أبيه الذي ولد معه بنفس اليوم الحاج عبدالله (بوأحمد)

الابن الأكبر للعم عبدالمجيد الحاج محمد بوعبدالمجيد وقد رافق والده في الصياغة لما يفوق خمسون عاماً ولايزال بنفس الدكان يصوغ برفقة أخيه الحاج علي بوماجد وله لقاءات متعددة بالصحف تتحدث عن صياغته وتاريخ بعض المصوغات وهنا رابط فيديو لصياغته اضغط هنا

الحاج علي بوماجد ابن العم عبدالمجيد ممن رافق والده في الصياغة ولايزال برفقة أخيه الحاج محمد بوعبدالمجيد في الصياغة بنفس الدكان في فريج الشعبة

الحاج بويوسف الحاج أحمد عبدالمجيد بن عيسى الرئيس التنفيذي لنادي الفتح السعودي الذي كانت البصمة الكبرى في إنشاء هذا المقال

الحاج عبدالغني عبدالمجيد محمد بن عيسى (بورضا) صاحب مصنع عبدالغني عبدالمجيد العيسى ومجوهرات تصاميم غني


– صورة جماعية للعم عبدالمجيد محمد بن عيسى وأبناءه
– صورة جماعية أخرى يظهر فيها العم عبدالمجيد مع بعض الأبناء والأحفاد

المرحوم الشيخ عبدالله بن حسين السميّن (ابن اخ الحاج عبدالمجيد بن عيسى)

المرحوم الحاج حسين السميّن (بوالشيخ عبدالرسول) ابن اخت الحاج عبدالمجيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. شكرا لك اخي العزيز: الأستاذ عبدالله البن عيسى.

    لقد وجدت في هذا بحث القيم: الكثير من المعلومات التي لم تدون من قبل، وخصوصا عن مسيرة أصحاب الفن والصناعة الدقيقة (مثل: الصياغة). وما يميز هذا البحث: التفاصيل الدقيقة, الوثائق, الصور.
    تحياتي

  2. *عائلة البن عيسى والصياغة ومجتمع الصاغة:*

    لقد كان الناس في أمس الحاجة للعمل، فكان بعض من أبناء الصاغة امتهن الغوص حيث انتقلوا خارجها …..

    تغطية مميزة …الكتابة عن شخصية او اسرة في الاحساء الحبيبة جميل ان نرى ذلك تخليدا لذلك العطاء والتميز والمعاناة التي مر بها الأباء والأمهات في بناء حضارة وتاريخ ….

    واقتنصت بعض السطور من المقال ونقاط مضيئة خالدة

    1️⃣ صاروا أسرة واحدة، فلا يُفرّق بين أبناء الصاغة من ملامحهم ومن لهجتهم التي عرفوا بها في محيطهم بالمجتمع الأحسائي، فكانت المهنة والمصاهرة البذرة الأولى في تكوين هذا المجتمع الكريم الذي عُرف بالجود والسمة الطيبة، فكان ثقة العلماء وأهل الفضل.

    2️⃣ ومزاولين لهذه المهنة حتى مع نزوح قرابة نصف العائلة

    3️⃣ ولا يزال أبناء أسرة البن عيسى محافظين على هذه المهنة أباً عن جد وجيلاً بعد جيل، متمسكين بهذا الإرث العائلي القديم حتى مع التطور والإنفتاح الذي يهدف إلى بذل الجهد، ونيل المراتب العُليا في المسارات المتعددة التي تمثلت في التعليم والطب والهندسة.

    جعله الله في ميزان حسناتكم جميعا ودمتم بصحة وعافية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى