أقلام

الشيخ عبد الله السمين ..(الوائلي الصغير)

عبدالله البحراني

سماحة الشيخ عبدالله بن حسين السمين من خطباء المنبر الحسيني المعاصرين. شق طريقه في عالم الخطابة مع وجود عددٌ من الخطباء العمالقة في المنطقة. عُرف بلين الجانب والرقيِّ في التعامل. يقول ابنه البكر الحاج محمد (أبو مصطفى): كان رحمه الله الأب والصديق. يتحدث مع صغاره، ويلقي علينا النكات، واللطائف الهادفة، والمزاح المشـروع. وكنا ننتظر وقت عودته إلى البيت شوقاً لمجلسه والتسامر معه. وكانت بداية حياته العملية في الصياغة. ثم في أرامكو مع (أبيه الروحيِّ) الشيخ عبدالله السمين (العنبر). وأخيراً تفرغ لطلب العلم والخطابة.1

التعريف بشخصيته:
من مواليد واحة الأحساء في٢-٣-١٣٥٢هـ. من آل عليِّ بن عبدالله، ويعرف في المجتمع بلقب (الوائلي الصغير). تربى في بيتً عرف بالتدين والصلاح.
والدته: شهربان بنت عبدالله حسن السمين (توفيت سنة ١٤١٦هـ)، ودُفنت في البقيع بالمدينة المنورة.
تزوج الشيخ مبكراً من الفاضلة فاطمة بنت محمد بن حسن السمين. ورُزق منها بذرية: (محمدٌ، عليٌّ، حسينٌ، حيدر، حسنٌ، مهديٌّ، موسى، وأحمد). وعدد من البنات الصالحات.2
وصفه الشيخ أحمد بن محمد البراهيم: بأنه يتميز بأخلاق عالية مع الصغير والكبير. حسن المعشر طيب المخبر. يمازح أصدقائه كثيراً ويلاطفهم. وكان ورعاً تقياً شديد الاحتياط.3

الشيخ في بيته
يقول ابنه (بو مصطفى):
تمتاز علاقة الوالد بأهل بيته بالسمو والتقدير. فقد ترعرعت في تلك الأجواء، ولأكثر من أربعة عقود من الزمن. ولا أتذكر أنني سمعت منه كلمة توبيخ لوالدتي أو كلمة قاسية في حقها. (كما اعتدنا على سماعها من الآخرين). فكان يناديها أمامنا بـ (بنت العم) أو (أم محمد)، أو بعبارات تودُّدية أخرى مثل (أم الخيرات). وقد أضحت هذه اللغة الرقيقة المتبادلة بينهما في البيت موضع استغراب النساء القريبات من العائلة والجيران. وكان يصعب أن تجدَ لهذا الوضع مثيلاً في مجتمعنا المحافظ في ذلك الزمان).4 انتهى.

عاش قريباً من الرجالٌ المؤثرين. ومنهم: أستاذه وقدوته الشيخ عبدالله بن حسن السمين (العنبر)، والعلامة الشيخ محمد بن محمد المهنا، والمرحوم الشيخ حسين بن علي العيسـى المهنا. وتربطه بالحاجِّ ياسين بن أحمد السمين علاقة متميزة، تمثل فيها الودِّ والأخوة النادرة. وكان للحاجِّ عبدالمجيد بن محمد البن عيسى (عمه من ناحية الأم) تأثيرٌ كبيرٌ في حياته.5

مسيرته العلمية
بدأ في طلب العلم لدى سماحة الشيخ صالح بن ملا محمد السلطان.6 وبعد فترة توجة إلى النجف الأشرف. ومن أساتذته: السيد أبو القاسم الخوئي، والشيخ بشير النجفي (الكفاية)، والسيد عبد المجيد الحكيم (اللمعة والمكاسب)، والسيد علي بن السيد ناصر السلمان (منطق المظفر)، والسيد نصر الله المستنبط (خارج الأصول)، والشيخ محمد مهدي الآصفي (في الأخلاق)، وغيرهم الكثير.7
وله علاقة وتواصل مع سماحة الشيخ أحمد الوائلي، وبينهم جلسة دورية خاصة عندما كان في العراق.8
عاد إلى الأحساء عام 1390هـ. وبعد عامين عاد إلى النجف الأشرف ليواصل مشواره العلمي، ولكنه في عام 1400/1401هـ، قرر العودة والاستقرار في بلاده.9 وطوال رحلته العلمية كانت ترافقة زوجته الفاضلة (ام محمد)،وكانت له نعم العون والسند طوال حياته.

في خدمة المنبر

وبعد عودته إلى الأحساء تفرغ للإرشاد والخطابة الحسينية. ويُعد من طلاب (المدرسة الوائلية) في أسلوبه الخطابي، حيث تُلقى المواضيع على شكل محاضرات تعالج القضايا الأجتماعية والدينية المهمة، ويحرص على التجديد في مواضيعه، ويربط قضية سيد الشهداء بالمجتمع وشؤونه، مع قدر كبير من البلاغة وطلاقة اللسان.
يقول عنه سماحة السيد هاشم السيد محمد الشخص: (وفي التسعينات من القرن الرابع عشر الهجري حلق اسم الشيخ عبدالله بن حسين السمين في عالم الخطابة، وطار صيته بعيداً، وأصبح يشار إليه بالبنان).10 انتهى.
كما وصفه الدكتور الشيخ محمد جواد الخرس: (وبسبب هذه الخلفية الحوزوية استطاع الشيخ السمين الخوض في مسالك العلوم الحديثة التي ذاعت مطالبها بين أبناء جيله بين الأصالة الشرعية والعلوم الحديثة. وكان في قمة نضجه الخطابي أبان تواجده في النجف الأشرف).11

قرأ في العراق، والمملكة العربية السعودية، وفي الخليج. ولقد استمعنا له في المأتم الصباحي بحسينية الهاشمية (السادة) في المبرز. وكان يجيد توظيف القصة والحدث التاريخي في مواعظه. وهو أسلوبٌ ذكيٌّ ينمُّ عن دراية بكيفية جذب الجمهور والتأثير فيهم.12 كما وَقَفَ على مسافة واحدة من جميع التيارات. رفع (رحمه الله) شعار الوحدة الإسلامية، ونبذ الطائفية والفرقة بجميع أشكالها. وكان منظِّراً وحاملاً للواء (المحبة والتآخي) في مجالسه، ولذلك كان مقبولاً من سائر الطبقات، والملاحظ أن سمة السماحة صفة بارزة في عائلة السمين. ويغلب على تعاملهم الطيبة ولين الجانب.

وقفة تربوية
وسماحة الشيخ, مدرسة في دماثة الخلق. ولديه قدرة على التحمل والصبر الجميل، وخصوصاً أذا ما تعرض لنقد شخصي وقاسي. وقد يبحث عن أعذار لمن تعدى عليه، ولا يقبل لأحد بأن ينتصر له في هذا المواقف، فقد كان يقول: دعوه. فإني أعرف الرجل وبأنه مؤمن وليس من عادته أن يهين أو يتعدى على الناس. وربما حدث شي من قبلي غاب عني فأغاضه. أو يعتقد بأني قد ارتكبت خطاً ما ويرغب في توجيهي بطريقته الخاصة.13

ومن سماته: الكرم فقد كان بيته مفتوحاً لاستقبال أهله ومعارفه في النجف الأشرف. ومنزله ملاذ للطلبة المستجدين من مجتمع الصاغة. كما أوقف مكتبتين على طلاب العلوم الدينية: واحدة في النجف، والأخرى في الأحساء.14

نهاية المطاف
انتقل إلى رحمه الله في
٣-١٢-١٤٢٢هـ بالمدينة المنورة، ودُفن بمقبرة (مشربة أم إبراهيم).15 أقيم له حفل تأبيني في مناسبة الأربعين بحسينية الإمام الحجة بحي الخرس.16

الهوامش:
1. الحاج محمد بن الشيخ عبدالله بن حسين السمين (بو مصطفى). إفادة منه (عبر الإيميل) في ١٣-٣-١٤٣٨هـ. وكان (بو مصطفى) مصدرنا الرئيس لهذا الموضوع.
2. المصدر السابق
3. الشيخ أحمد محمد البراهيم، ملف خاص في مجلة الكميث العدد 81، عام 1425هـ.
4. الحاج بومصطفى السمين، مصدر سابق.
١٣-٣-١٤٣٨هـ.
5. المصدر السابق
6. المصدر السابق
7. الشيخ أحمد محمد البراهيم، ملف خاص في مجلة الكميث العدد 81، عام 1425هـ.
8. الحاج بومصطفى السمين. ورافقته في هذه الرحلة: والدته، وزوجته، إضافة إلى والد زوجته
9. الحاج بومصطفى السمين، مصدر سابق.
١٣-٣-١٤٣٨هـ.
10. الشيخ عبدالله السمين آل علي بن عبدالله الصائغ، الأستاذ علي المحمد علي, دار المحجة البيضاء، 1432هـ
11. تاريخ تطور الأغراض الخطابية في المنبر الحسيني عبر أدواره الثلاثة. 1433هـ.
12. الأستاذ محمد علي المهدي (الكويت) في كتابه (شخصيات من الخليج)
13. الحاج محمد بن الشيخ عبدالله السمين، عبر الوتساب،
١٧-١٢-١٤٤٢هـ
14. قرأ في النجف الأشرف بالصحن الشــريف، وفي البصرة، والحلة، والرميثية والمشخاب، وفي جزيرة الفاو. وفي المواسم (محرم ورمضان)، وكان يقرأ في دوله الكويت والبحرين. (المصدر: الحاج محمد بن الشيخ عبدالله السمين)
15. الشيخ عبدالله السمين آل علي بن عبدالله الصائغ, مصدر سابق
16. ترجم له: الأستاذ محمد علي المهدي (الكويت) في كتابه (شخصيات من الخليج). والشيخ حيدر المرجاني (خطباء المنبر الحسيني) في مجلة المواقف البحرينية. والشيخ أحمد محمد البراهيم، ملف خاص بالعدد 81 لمجلة الكميث 1425هـ. ويتضمن ترجمة وافية وجميع ما نظم من قصائد في رثاء الشيخ.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. رحم الله روحه الطاهرة جدي
    كان حليم ودود ذا قلب كبير
    كم كانت الدنيا جميلة فس ضل وحوده
    رحم الله روحه الطاهرة

  2. رحم الله روحه الطاهرة تربى أجيال تحت منبره وخطابه فكان بحق خادما للإمام الحسين وأهل البيت عليهم السلام كنا نأسف كثيرا بعدم انتشار محاضراته بالتسجيل بسبب عدم قبوله بذلك لسبب وجيه حدث بمشهده يعرفه الخاص وإلا كان خطابه وتوجيهاته مميزة وصوتا ترق له المشاعر حزنا على مصاب أهل البيت ع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى