أقلام

مجهول في الأرض معروف بالسماء

طالب المطاوعة

لم تعرف حقيقته إلا يوم وفاته.

كم كان لرحيل العلامة الدكتور محمود بن آية الله المرجع الديني محمد حسن المظفر صدمة اجتماعية وعلمية وعلمائية كبيرة جدا إثر خبر وفاته.

حيث انسالت الأقلام بتعريفه والبيانات بتأبينه.

فكيف لرجل بهذه المكانة النسبية و المقام العلمي والعلمائي لم يعرف خارج دائرته ولم يسمع به إلا القلة القليلة جدا؟

ابن مرجع ديني كبير لامع الصيت، وكذا زوجته من حيث النسب، رئيس منتدى النشر الذي أسسه عمّه، عضو كلية الفقه ومشارك بتأسيس جامعة الكوفة، أستاذا بكلية الفقه بالنجف الأشرف، وباحثا وأستاذ القانون بجامعة بغداد والمستنصرية وجامعة الملك عبدالعزيز 25 عاماً، له مؤلفات عدة بالقانون وغيره، ومؤلفاته علمية ومنهجية وليست مجرد كتابات ككتابه
“إحياء الأرض الموات” أو كتابه ” الثروة المعدنية” أو كتابه ” أصول الحديث المقارن” أو ” نظرية العقد”، وعضو اللجنة الدستورية للدستور العراقي الذين اختارهم السيد السيستاني أطال الله في عمره الشريف، وغيرها الكثير. كل ذلك ولم يذع صيته ولم يعرّف هو بنفسه ذات يوم، رحل ولم يكرّم في حياته!!!

بل شاهدناه بأم العين مراراً وتكراراً يدخل بعض المحافل التي يدعى لها، ويدخل دخولاً هادئا بلا ضجيج ولا تصوير ولا معرفة أحد.

“كم من مجهول في الأرض مشهور في السماء”

وحسبي بأبي حسن معروف عند أقرانه وطلابه والنخبة والعلماء ومن يدور في فلكهم.

فهو ليس بمجهول الهوية، وإنما جهلنا نحن قدره فيما بيننا، ولم يتأفف أو ينزعج أو يشير لنفسه ببنت شفه، واختار هو أن تكون قيمته عند الله، وعمله لله، وحركته وسكونه لله.

وماكان لله ينمو عند الله وإن خفي عن أعين الناس.

وبحكم أنّ الظروف جمعتني بأبنائه وأهل بيته وقرابته في أيام رحيله حتى تشييعه إلى مثواه الاخير.
أطّلعت على ماكتب وقيل عنه عن كثب، فشعرت بالخجل الكبير، كيف لقامة علمية بهذا القدر، لها أدوار عدة، ومؤلفات ضخمة ومهمة توازي ماكتبه مراجع عظام كل في محل تخصصه، راجع ماكتبه عنه الأخ حسين الشيخ “روحية البحث المقارن والمعالجة الهادئة”، ولم نقترب منه وننهل من معينه وزاده العلمي والتربوي.

وقد وجدت بأم عيني كيف لأبنائه وأهل قرابته، حريصون كل الحرص أن ينهوا كل الإجراءات قانونياً وفي أدق التفاصيل وبألطف العبارات ورباطة جأش وإن غلبتهم الدمعة على فراقه، وعند تأخر إجراء ما يتفاءلون بالخير من عند الله.

وكأنَّ أستاذ القانون زرع في أبنائه ماتعلمه وعلمه من علوم القانون وروحه سلوكا ومهارة ومعرفة.

لا يفوتون لحظةً ولا موقفاً إلا ويبادرون من كان بقربهم، وهو يقدم حقه وحقهم الأخوي عليه إلا ويتشكرون منه كل الشكر وبأرقى وأرق العبارات، حتى أنك تشعر بالخجل الكبير في حضرتهم ومن كلماتهم(خلق جم).

هكذا كان الراحل وهكذا سيبقى مدرسة وأستاذاً جامعياً وعالماً ربانياً وأخلاقياً يربي الأجيال ويعلمهم السلوك قبل القول.

ولهذا لم نستغرب أبداً من التوفيقات الإلهية التي كتبت له بعد أن وفاه الأجل المحتوم، بأن تتبنى أمور تجهيزه وتشييعه ونقل جثمانه، وتغطية ذلك إعلاميا إلى جوار والده بالنجف الأشرف، أعلى الجهات الرسمية والدينية، وكيف لا وهو المستحق لذلك بجدارة.

رحمك الله يا أبا حسن رحمة الأبرار، وأسكنك فسيح جناته مع محمد وآله الأطهار، ورفعك في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى