أقلام

حوارية (٧٣) كيف أحصن نفسي من المنزلقات الفكرية التي تزين الباطل وتلبسه لباس الحق؟

زاهر العبدالله

السائل: كثرت التيارات الفكرية والمنابر الإعلامية في (السوشل ميديا)، وكل واحد له قناة يعبر فيها عن رأيه حتى داخل المذهب الواحد، وأنا شاب أريد تحصين نفسي، وأعرف ممن آخذ معالم فكري. فعصرنا اليوم عصر انقلاب المفاهيم! فأرجو أن تعطيني علامات هدى لا يختلف عليها اثنان من ذوي البصيرة والوعي.

الجواب: بسمه تعالى.

مقدمة:
قال تعالى:
{فلينظر الإنسان إلى طعامه} ٢٤ عبس.
مشهور المفسرين أن الطعام هو ما يلج المعدة، والمروي عن أهل البيت عليهم السلام في معنى الطعام أنه العلم.
فعن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: ” فلينظر الإنسان إلى طعامه” قال: قلت ما طعامه؟ قال: علمه الذي يأخذه، عمن يأخذه.(١)

وعن زيد الشحام، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ، قال: «علمه الذي يأخذه عمن يأخذه».(٢)

هناك علامات مهمة جداً يجب أن تملأ بها فكرك ووعيك منها وذلك بالدليل العقلي والنقلي فيها، وسنذكر منها مايلي:

١- أن تعرف أن الله حكيم عادل ولا يظلم عباده ولا يتركهم دون هادٍ لخلقه إما نبي مرسل أو إمام معصوم يُكمل رسالة السماء أو عالم رباني نذر نفسه لخدمة أيتام محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.

٢- أن تؤمن بالاختصاص ولا تأخذ قول غير المختص في غير اختصاصه مهما ألبسه حلي الكلام ومفردات البيان، فلا تسأل عن كفاءة مهندس نجاراً أو معلماً أو بقّالاً أو خبّازاً…
بل اسأل عن كفاءته في ميدان دراسته وثناء زملائه على عقله وتقييم نتاجه من أهل اختصاصه. وكذا طالب العلم يجب أن تعرف كفاءته العلمية في ميدان حضارته ومهدها قم المقدسة أو النجف الأشرف، وشهادة أساتذته وأقرانه على مستواه العلمي ونتاجه الفكري، ثم تلاميذه ونتاجهم المعرفي وطبق ذلك على بقية الاختصاصات.

٣- أن تعرف معالم مشروعه ومنتهى أهدافه في خدمة المجتمع. فمن يملك مشروعاً حقيقياً ليس بحاجة إلى أن يُسقط غيره أو يهدم مشروع غيره بخطابه أو بتقريره أو نتاجه الفكري، بل يكون صاحب إضافة يرتقي معه أصحاب العقول المنيرة وتشتد مع مشروعه الهمم في خدمة المجتمع فيسمع منهم نقدهم وملاحظاتهم وإن عارضوه فيرى أن تكامله مربوط بصدقهم وأمانتهم معه، لا بالتصفيق له وموافقته دون وعي والتفات.

٤-حضوره في المحافل العلمية وعرض تجاربه للتقييم من أقرانه واستقباله لأية ملاحظة مهما كانت جارحة له شخصيا،ً إذ لا قيمة لنفسه مقابل رضوان الله سبحانه وتعالى ومن خصهم بكرامته محمد وآل محمد صلى الله عليهم أجمعين.

٥-يُقدِّر ويُمجِّد أهل الفضل ممن سبقوه ويُشيد بإنتاجهم الفكري والعلمي ولا يظهر نفسه أنه صاحب الفتح والسبق أمامهم، بل يقول فيهم مايرضي الله سبحانه وتعالى، وينسب نفسه لهم وأنه إن شاء الله حلقة لتكمل جهودهم المباركة في التأكيد على الثوابت والقيم والمُثل التي خطها النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته عليهم السلام، ثم يقوي الضعيف في مشاريعهم ويمد جسور المعرفه في تراثهم، ويوسع المطالب الفكرية والعلمية ليفتح آفاقا أرحب للباحثين والدارسين فيستلهموا من تجاربهم مايكون زاداً لمستقبلهم في خدمة الدين وأهله ومجتمعهم.

٦- أخيراً تجده مشغولاً في سعي حثيث بإصلاح نفسه واتهامه لها بالتقصير، فلا يسعده ثناء المادحين له ولا يزعجه نقد الآخرين له، ولا يذكر معايب غيره لورعه وتقواه وقلة حيلة في حضرة مولاه سبحانه فهو بأخلاقه وتواضعه يُذكرك بالآخرة فيمزج روحك مع معارف كتاب الله سبحانه وتفسيره ومن جواهر بيان النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين ومن العلماء الأبرار السابقين والمعاصرين الذين ساروا على نهج محمد آل محمد فتجده يُرغبك بالمعرفة ويقطع شكك باليقين ويُقنعك بما عندك بالزهد ويُورث السكينة في نفسك لا تملّ من مجالسته، فهو إن صمت عن أمر فإنك تشعر أن هناك حكمة من صمته، وإن تكلم فاعلم أن هناك مصلحة.
هذه بعض العلامات ويمكنك تطبيقها على كل الاختصاصات الفكرية والعلمية.
وأختم لك بهذا الحديث الشريف الوارد عن سيد الموحدين
( قيمة كل امرئ ما يحسنه) (٣) المراد بالقيمة هنا أن تعرف قدرك وتعرف ما تريد، وتعمل على ما تحسنه من قول أو فعل.
والحمد لله رب العالمين وأرجو أن أكون أجبتك بما يريحك.

السائل: جزاك الله خير الجزاء كفيت ووفيت رحم الله والديك وجزاك الله خير الجزاء.

………
المصادر:
(١)الكافي للشيخ الكليني ج ١ص ٥٠.
(٢)الاختصاص ص٤.
(٣)ميزان الحكمة لمحمد الريشهري ج ٣ ص ٢٠٢٦.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى