أقلام

المنبر الحسيني ونداءات العصر

علي خضر غاشي

لـو كـنّـا بـصـدد الحـديـث عـن صـدى صـوت الحـسـين ع في هـذا الـعـالـم ، بـعـد مـرور قـرون طـويـلـة عـلـى فـاجـعـة اسـتـشـهـاده ، فـإنّ مـن أبـرز مـصـاديـق هـذا الـصـدى هـو المـنـبـر الحـسـيـنـيّ ، وهـذا مـا يـجـعـل المـنـبـر محمّلاً بمسؤوليّة قداسة النهضة الحسينيّة ، و مؤمنًا على مقاصدها ومطامحها ..
ولا شـكّ أنّ هـذه الـنـهـضـة حـيّـة ، بمـعـنـى أنـهـا كـائـن يـنـمـو لـيـواكـب الـزمـن ، ويـنـدكّ ف مـيـاديـن وسـاحـات الحـيـاة الجـديـدة ، ف هـذه الـدقـائـق المـعـدودة أُريـد أن أسـلـط الـضـوء عـلـى أهـمّ الـنـقـاط الـتـي أصـبـح الجـيـل الجديد يتطلّعُ إلى وجودها ف هذا المنبر المقدّس
أولاً : الطرحُ الفكريّ المتقن :
ومـنـشـأُ الحـاجـة إلـى هـذا الأمـر هـو وجـود سـرعـةٍ ضـوئـيّـةٍ مـعـاصـرة لـنـشـر وتـفـريـخ الـشـبـهـات المـشـكـكـة ف الـديـن ومـسـاراتـه الـرئـيـسـة ، فـإن لـم يـتـصـدّ المـنـبـرُ لـتـغـذيـة المجـتـمـع بـجـرعـات الحـصـانـة الـفـكـريّـة ، فـمـن سـيـقـوم بهذا الدور المهم والخطير ؟! أوليس الحُسين ع مصباح الهدى وسفينةُ النجاة ؟! .
ولـربّ قـائـلٍ يـشـكـل بـأنّ هـذا الأمـر الـرد عـلـى الـشـبـهـات والإشـكـالات لـيـس مـحـلّـه المـنـبـر ، وإنّ أبـلـغ جـوابٍ عـلـى مـثـل هـذا الإشـكـال هـو مـلاحـظـة خـطـب أمـيـر المومنين؛  ف مـطـلـع حـروبـه مـع جـنـوده ، كـيـف كـان يـتـحـدث عـن الـتـوحـيـد ومـعـرفـة، ومـنـاقـشـة مـقـولات الـتـجـسـيـم ، مـع أنـه يمـكـن أن يُـقـال : يـا أمـيـر المـؤمـنـين، هـلاّ تـكـلـمـت في تحـمـيـس الـفـرسـان وشـدّ سـواعـد الجـنـود ، أمـا الإثـبـاتـات الـكـلامـيّـة و
الايمانيّة فتلك محلها في خطبة الجمعة في المسجد . لكنّ الحقيقة هي أنّ بناء الدين بناءٌ تكامليّ انسجاميّ ، وليس تشريحيًّا تجزيئيًّا .
ثانيًا : عقلنة الطرح :
فـيـنـبـغـي مـراعـاةُ مـسـألـة هـامّـة ، وهـي أنـنـا نـعـيـش ف عـصـر انـفـجـار المـعـرفـة وكـمّ المـعـلـومـات وسـهـولـة الحـصـول عـلـيـهـا ، فـلـم يـعـدّ الخـطـيـب طـرفًـا أوحـديًّـا ف صـنـاعـة الـفـكـرة الخـطـابـيّـة ، بـل أصـبـح المـسـتـمـع يـشـارك
الخـطـيـب في الـتـفـاعـل والـتـداخـل مـع خـلـفـيّـات وسـطـوح وأعـمـاق الـفـكـرة بـالـبـحـث والـتـدقـيـق والـتـحـقـيـق ، كـمـا أنّ طـرح أي مـعـلـومـةٍ دون إثـبـاتٍ مـحـكـم ، قـد لا يـأتـي بـنـتـائـج سـلـيـمـة ، فـالأفـضـل هـو تـركـيـز الحـديـث ف نـقـطـةٍ مـنـظـومـة وبـاسـتـدلالات مـحـكـمـة، عـلـى طـريـقـة مـنـطـق الـقـرآن الـكـريم ( قـل هـاتـوا بـرهـانـكـم إن كنتم صادقين )

ثالثًا : اللين في الطرح :
فـإنّ أسـلـوب الـشـدّة والـغـلـظـة والـزجـر قـد يـؤدي ف كـثـيـر مـن نـتـائـجـه إلـى ردات فـعـل عـكـسـيّـة ، خـصـوصًـا مـع كـثـرة انـتـشـار الـتـقـطـيـع الجـزئـي و الاصـطـيـاد ف المـاء الـعـكـر عـلـى بـعـض الخـطـبـاء ، وهـي ظـاهـرة غـيـر طـيـبـة وغـيـر سـلـيـمـة ، لـكـنـهـا ومـع بـالـغ الأسـف أصـبـحـت أمـرًا واقـعًـا ف كـلّ الـعـالـم ، ولـيـس عـلـى مـسـتـوى هـذه الـدائـرة فـقـط ، ونـحـن هـنـا لا نـنـفـي جـانـبًـا مـن الحـزم و الـغـلـظـة ف الـديـن ، لـكـنّ مـوردهـا الـكـفـار والمـنـافـقـين والمـعـتـديـن، جـاهـد الـكـفـار والمـنـافـقـي واغـلـظ عـلـيـهـم  أمـا الحـاضـرون تحـت المـنـبـر فـهـم لـيـسـو مـن المـنـافـقـي والـكـفـار حـتـى يـغـلـظ عـلـيـهـم ، بـل هـم أحـبـاب الحـسـين، وضـيـوفـه الـذيـن يـنـبـغـي الـتـلـطـف مـهـم والـرفـق بـهـم ، وقـد قـال ال تـعـالـى: (واخـفـض جـنـاحـك لمـن اتـبـعـك مـن المـؤمـنـين ) ولـم يـقـل لـه أن يـغـلـظ عليهم .
رابعًا : تعزيز الإشراقات الحضارية للدين :
إذ لا يـخـفـى أنـنـا نـعـيـش ف عـصـر احـتـدام الـسـجـال بـي المـنـظـومـات الـفـكـريّـة ، والـصـراع بـي الحـضـارات المخـتـلـفـة ، فـيـنـبـغـي عـلـى الخـطـيـب المحـتـرم والمـوّفـق إن شـاء ال أن يـبـرز لـلـشـبـاب مـديـات الـتـقـدم والـنـهـضـة الحـضـاريّـة الـتـي يـقـدمـهـا الـديـن كـنـمـوذج ويـحـمـلـهـا كـرسـالـة لـلـعـالـم الإنـسـانـي ، لـيـشـعـر بـجـذوة الـفـخر والانـتـمـاء لـهـذا الـديـن وهـذه الـرسـالـة المـقـدسـة الـتـي قـال عـنـهـا ال أنـهـا تـخـرج الـنـاس مـن الـظـلـمـات إلـى النور .
الـلـهـم صـل عـلـى الحـسـين ع وعـلـى جـده وأبـيـه وأمـه ، وعـلـى أبـنـائـه الـطـاهـريـن ، وعـلـى الـذيـن يـخـدمـونـه ويعشقونه مابقي الليل والنهار .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى