أقلام

كيف يتحول ادعاء المرض إلى مرض حقيقي وخطير

جواد المعراج

– متلازمة مونخهاوزن:

سُمِّيت متلازمة مونخهاوزن باسم بارون فون مونخهاوزن، وهو ضابط ألماني من القرن الثامن عشر، وجدير بالذكر أنه كان يعمل على تزوير القصص وتحريف المواقف الحياتية الخاصة به.

بارون فون مونخهاوزن يعد من النبلاء في ألمانيا، وكان يعمل في سلاح الفرسان، وقدم خدمة للقيصر الروسي، بعد ذلك عاد إلى ألمانيا عام 1750م، وكان متفرغًا للصيد وركوب الخيل، استضافته فئة من النبلاء في فترة المساء حتى يحكي لهم القصص التي حصلت له في روسيا، وكانت تتمحور حول الخيال والأساطير.
في هذه اللحظة تقمص بارون دور الرجل الخارق.

كان بارون فون مونخهازون يتحدث عن اللحظة التي كان يتوقع فيها أن يطير على منطقة الظهر الخاصة بالبطة، ويقفز بحصانه من ناحية النهر ليصل إلى الجهة الأخرى، ليتفادى قنابل المدفع المتوجهة إليه، بل يردها نحو الأعداء الذين يحاربهم، وكان يمكنه أن يفعل أمرًا أكبر من ذلك كما روي في الأساطير، وبالتالي لم يكن البشر يصدقونه فيما يقول، ولكنهم كانوا يستمتعون بالحكايات التي يرويها عليهم، من هنا اكتسبت القصص التي يتحدث عنها تأييدًا شعبيًّا في أوروبا، ثم أطلقوا عليه تسمية المتلازمة المعنية.

تعرف متلازمة مونخهاوزن على أنها نوع من أنواع (الاضطرابات المفتعلة) أو الاختلالات النفسية التي يمثلها الإنسان ويفتعلها بشكل متكرر، لكي يكسب تعاطف الآخرين ويجذب انتباههم، وبالتالي فإن المصاب بهذه الحالة يتوهم أن لديه أمراضًا غريبة معينة. وكل هذا يحدث من أجل الحصول على الاهتمام والرعاية، في حين أن ذلك الشخص يكون سليمًا، وأحيانًا لا توجد أية علامات واضحة تعطي اعتبارًا عن وجود أي مرض.
بمعنى آخر تبدأ أعراض هذا الاضطراب بشكل خفيف، ثم تصبح الأعراض شديدة بسبب افتعال الأمور غير الحقيقية.

من هذه النقطة نستطيع القول أن هناك أشخاصًا لديهم حالات محددة تحمل أنماطًا سلوكية شائعة تهدف لجعل هؤلاء يزيفون إصابتهم بمرض خطير أو ينتحلون صفة ضحايا التنمر والعنف، من أجل تغيير أسلوب التعامل وثقة الآخرين تجاههم، فالأفراد الذين يعانون من هذا الاضطراب يزعمون إنهم دائما لديهم أمراض نفسية وجسدية متعددة، وأنهم في الغالب يتوهمون بأنهم معرضون للاعتداء الجسدي والنفسي على الدوام،
وأن التلاعب يعد طريقة تستخدمها الشخصيات التي تعاني من هذا الاضطراب، فالهدف الرئيس الذي يريد أن يحققه المصاب هو السيطرة على الآخرين والتلاعب بعواطفهم، وذلك ليشعر الناس أن المصاب بهذه الحالة له قدرة على السيطرة على حياته ومقدرة على حل المشاكل النفسية والشخصية والاجتماعية، وبالتالي فإن الفئات التي تعاني من هذه المتلازمة تميل للسلوكيات الخارجة عن الفطرة السليمة؛ نتيجة ما مروا به في فترات الصغر من أحداث مؤلمة ونوبات وصدمات نفسية أثرت على مجرى الحياة التي يعيشونها وأدخلتهم في خانة الوسوسة والتوهم.

– هناك مجموعة من الأسباب المعينة التي تؤدي للإصابة بمتلازمة مونخهاوزن وهي:

1) التعرض لصدمة حادة في الصغر، على سبيل المثال الأذى النفسي أو العاطفي أو الجسدي.

2) الإصابة بأمراض خطيرة في فترة الصغر، فمثلا الإصابة بالاكتئاب الشديد.

3) فقدان أفراد معينين من الأسرة سواءً كان ذلك عن طريق الهجران أو المرض.

4) الرعاية والاهتمام المبالغ في شخص المصاب بمرض معين في الفترة السابقة، مما أدى به إلى الميل لمحاولة كسب التعاطف وجذب انتباه الآخرين بشكل مستمر.

5) ضعف القدرة على معرفة الهوية الحقيقة الخاصة بالإنسان.

6) ضعف الاحترام للذات.

– في هذه الفقرة سيتم ذكر ثلاثة طرق تساعد على إدارة هذه الحالة، هي:

1) العلاج النفسي: قد يحقق العلاج بالكلام والعلاج السلوكي السيطرة على القلق الذي يعاني منه المصاب بالمتلازمة، ويكون من خلال تنمية مهارة التأقلم مع الناس ومعرفة كيفية التغلب على التوتر والمخاوف والأوهام التي يواجهها المريض.

2) حضور الدورات أو زيارة المراكز أو البرامج التدريبية التي تهتم بالتعليم والتثقيف الصحي النفسي؛ فهي تساعد المريض على الخروج من العزلة السلبية، وتُعد عاملًا مساعدًا على تنمية التواصل والتأقلم مع الناس والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها المصاب بالمتلازمة.

3) الدعم والمشاركة من قبل المجتمع والأسرة والأصدقاء والأقارب، عن طريق تشجيع المصاب على ترك السلوكيات الخاطئة، وأيضًا تحفيزه على مواجهة الصدمات والمخاطر التي تحدق بالصحة النفسية.

أسأل الله تعالى أن يكون هذا البحث وسيلة مساعدة نحو فهم الذات الإنسانية والمجتمع بشكل فعال، وأن يسعى للتغلب على الآفات والمعضلات التي تعصف في النفوس البشرية، والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى