أقلام

مع صاحبي العراقي السني

السيد زكريا الحاجي

من واقع الحياة «٨»

في زيارتي الأخيرة للمدينة المنوّرة، عند عبوري من صحن الحرم الشّريف، أوقفني رجل عراقي مع زوجته وصاحبه، وطلب منّي المساعدة في تسجيل تطبيق “اعتمرنا”، ليتسنّى له الدّخول للرّوضة الشّريفة، مع أنّني كنتُ على عجلة وهو قد لاحظ ذلك، إلا أنّني توقفتُ فعلاً حتى أُفعّل له البرنامج، لكن واجهتنا عدّة عقبات، لأنّ التطبيق يطلب التسجيل مسبقاً في تطبيق آخر وهو “توكلنا”، وبعد أن نصبتُ له التطبيق حاولتُ التسجيل له، إلا أن الأمر لم يتيسّر فعلاً واستغرق منّي وقتاً، وقد لاحظ صاحبي العراقي أنّني تأخرتُ ولازلتُ أحاول معالجة المشكلة، واستشعر لطفي معه، وبان عليه الحرج وأخذ يعتذر منّي وأنا أعمل على التطبيق.

ثمّ أراد أن يستعطفني بعد أن تعطل مشواري، وقال لي: أنا مريض بالسّرطان، وكشف لي عن صدره حتى أرى الأنبوب الموصل في جسده، فنظرتُ بعطف، ودعوتُ له بالشّفاء ببركة صاحب القبّة الخضراء التي نقف عندها.

ثمّ أخذ يلاطف مشاعري الطائفيّة، وقال لي: أنا أخوك من الموصل، فهمتُ مقصده ويظن أنّني من أهل السّنة، ويريد أن يدفع عن نفسه وهم التشيّع، وأنا أبتسم وأقول له: حياك الله عزيزي، ولازلت أحاول التسجيل في التطبيق، وهو لايزال يعتذر عن تعطيلي.

ثم قال لي مؤكِّداً: أنا سنّي من الموصل، فتبسمتُ أكثر وأخذتُ أُبادله التحيّة والترحيب، حتى ظنّ أنّني سعدتُ بأنّه من أهل السّنة.

وأنا مبتسم لازلتُ أحاول التسجيل في التطبيق، قلت له: وأنا أخوك الشّيعي.

صُدم الرّجل مع أهله، حتى أنّه تراجع بعض الخطوات إلى الوراء قليلاً من الدّهشة، وهو يقول: لا لا، مستحيل! مستحيل!

قلتُ له -وأنا لازلتُ مبتسماً-: وما المُستحيل؟!

قال: مستحيل، مستحيل، أنت بالتأكيد تمزح!

قلتُ له: أنا لا أمزح، فعلاً أنا شيعي.

قال: لا يوجد شيعة في السّعودية، يوجد يهود لكن لا يوجد شيعة.

فضحكتُ وأنا متعجّب من أمره واصراره، وقلتُ له: كيف لا يوجد شيعة في السّعوديّة؟!. هناك ما يقارب ٣ مليون شيعي، يتواجد أكثرهم في المنطقة الشّرقيّة، جذورهم الوطنيّة ضاربة في عمق التأريخ، منذ زمن النّبوة، بل يوجد من أهل المدينة كذلك.

بعد أن تقبّل الصّدمة، حاول التبرير لردّة فعله -وليته لم يفعل-، فقال: الشّيعة ظلمونا.

وأنا أعلم أنّه خانه التعبير ولا يقصد الشّيعة كطائفة، وإنّما يعني الواجهة السّياسيّة الفاسدة، قلتُ له: الظلم لا انتماء له، وهؤلاء قد ظلموا الشّيعة قبلكم، ثمّ أين أنت عن الشّيعة الذين حرّروا الموصل وأنت من أهلها؟!

ثم عطف بالكلام على علاقته بالشّيعة، وأنّه مع أصدقائه الشّيعة كانوا يقدّمون المساعدات والمؤن على حدود سوريا للنّازحين من عوام النّاس.

قلتُ له: يا عزيزي لا توجد خلافات طائفيّة إلا وتقف خلفها السّياسة، اذهب إلى مدينتي في الأحساء وانظر إلى التعايش الحقيقي المستمدّ من الآباء والأجداد.

كل هذا وأنا لازلتُ أعمل على التطبيق حتى نجح معي، لكن لم يستطع أخينا العراقي حجز الموعد، بسبب صاحب الحملة التي جاء معها قد أخذ موعداً لهم ضمن بقية أفراد الحملة.

في الواقع غفلتُ بأن أنصحه للذّهاب إلى مستشفيات العتبات المقدّسة، ليحصل على فرصة علاج مجانيّة برعاية المرجعيّة الشّيعيّة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى