أقلام

حرب القيم والغرائز

حليمة بن عطاء

كمن يدخل إلى حلبة مصارعة بها العديد من المصارعين، ويتلقى ضربات من كل جانب وفي آن واحد، وهو غير مستعد لهم جميعًا. هو كان شعوري عندما كنت أرى الحرب الإعلامية الشرسة أمام القيم والمبادئ، بل حتى الخروج عن الفطرة التي فطر الإنسان عليها.
كنت للتو قد انتهيت من تعليم ابنتي الحروف الأبجدية حين بدأت حملة دعائية تدعو بشكل علني إلى حرية المرأة، سعدت في بادئ الأمر مع خوف قليل فهذا ليس بسئ، فأن يمارس المرء حريته لهو شيء جميل، وليس من المحبذ أن يكون الإنسان تابعًا دون تفكير، أو مجبرًا على فعل أمر هو غير مقتنع به. وليس هذا مايدعو له الدين الذي يحث ويدعو إلى العمل بعقل وتعقل وتفكر، ولكن ماهي إلا برهة من الزمن حتى وجدت أن الحقوق باتت تمارس بصورة عكسية، تمتهن من المرأة والإنسان والفطرة!
تألمت وواصلت حياتي وبدأت بتعليم ابنتي على اللباس المحتشم والجميل، فكم من لباس محتشم وأنيق جدٍا أيضًا، ولكن وجدت بأن الحجاب قد تحول من ساتر لكامل الجسد إلى إظهار أجزاء كثيرة منه، وأنا الآن الموصوفة المنعوته بالمعقدة والرجعية!
وعندما اخذت ابنتي تكبر ووصلت سن السادسة والسابعة بدأت تعليمها على. ارتداء الحجاب وعدم مصافحة الرجل الأجنبي، حتى وجدت دعوة إلى خلعه، وشعارهم الحرية والكل حر بقناعاته والقاضي هو الله وحده وليس البشر!!
واصلت الاستمرار في تعليم ابنتي على القيم والمبادئ متجاهلة مايحدث حولي، فبدأت ووالدها بتعليمها الصلاة والصيام وأنهما أساس التوفيق والفلاح في هذه الحياة، خصوصًا إذا تمت بحب وتعلق بالله، فوجدت دعوة إلى أن الدين هو الخلق ولا تهم صلاتك وصيامك مادمت لست خلوقًا ولو كنت تحت منبر أبي عبدالله الحسين!
صعقت حين خُلط الحابل بالنابل، وهذا الكم من المعارضات.
فحين تشرع في الالتزام والتفقه في دينك وتعليم أولادك، يحملون هم أمامك شعار (الدين يعطل الحياة)، متسترين بألف قناع فمرة يتلبسون بثياب الحرية، وأخرى بدعوى دع الخلق للخالق، وثالثة بأن الأهم هي الأخلاق فقط وإن كانت دون دين!
علمت حينها أنهم لا يدعون إلى تحييد الدين عن حياتنا فقط، بل إلى الانسلاخ تمامًا منه، وطمس الهوية الإسلامية بأكملها، وفي كل شعار يخبرونك أن ذلك من حقك، ليزرعوا بين الجميع فكرة الفردانية ونبذ الجماعة، ليقوم المرء بالمجاهرة بالمعصية دون أدنى حياء، وليس هذا فقط بل باتوا يسعون إلى تدمير الذات والانغماس في الإجرام بجميع أشكاله، بأن يوزعون على أبناءنا مجلة المانجا بالمجان!
بل وفي كبرى المكتبات المنتشرة في المملكة، فأي شخص دخل إلى أي فرع سيجدها توزع مجانًا وعندما يتصفحها يرى كل صور القتل والتدمير والسب والشتم بل التعري أيضًا!
أي عاقل ومتفكر سيسأل نفسه: لماذا يتم إصدار مجلة بهذه القوة وذات ورق مصقول ثم توزع بالمجان؟!
ولا يسألني أحد بعد ذلك لماذا كثر التمرد والاكتئاب والانعزال وعدم الأخلاق والاعتداءات، بل الجرائم أيضًا؟!
وعندما يتحدث أي إنسان لينصح ويوجه سيجد حملات ضده، وأنه يتدخل في شؤون الآخرين وضد الحرية وربما العلاقة معه تكون سامة ولو كانوا إخوته أو والديه!
علمًا بأن مدعي الحرية الذي يطالب بها، هو نفسه يدعو إلى احترام قوانين المرور في دولته، ومحاكمة كل مخالف، فهو يحترم القوانين البشرية لأنها تحافظ على حقوق الآخرين وأرواحهم، فحتى هو ستأتيه العقوبة والمخالفة مباشرة حينما يخالفها، ولكن يدعو إلى مخالفة القوانين الكونية والإلهية أيضًا!

إننا أمام حرب جديدة، أسلحتها الصوة والغريزة والمسلسل والفيلم والشذوذ، فمن السهل أن تجد فيلمًا قصيرًا يحمل كل صور ابتذال الدين ومن يكون مسلمًا هو إرهابيّْا أو متشددًا دون معنى، ليأتِ من يحارب هذه القوانين بكل صور انعدام الأخلاق وعقوق الوالدين والجريمة والعلاقات المحرمة والشذوذ، بل الانتحار أيضًا! وأنت في ذلك معذور لأنه لا حدود للعاشقين!
هي حرب ناعمة بقوى ناعمة، هدفها الابتعاد عن الدين، وعدم التمسك بالقيم والمبادئ التي تحافظ على ثروة المجتمعات وكانت من قوتها بحيث لا تتزعزع أمام الحروب السابقة التي كانت تستخدم القنابل والسلاح النووي، فتلك كانت تقضي على ثروات ومحاصيل وشعوب البلدان ولكنهم لا يلبثون حتى يعودوا أقوى مما كانوا، وأما هذه الحرب فباتت تقضي على كل الثقافات وفقد الهوية الإسلامية وتدمير روحها، ويخصون بأهدافهم المرأة لأنها مربية الأجيال!
فهي ابنة لذلك الأب، وأخت لذلك الرجل، وزوجة لذلك الشاب، وأم لكل هؤلاء، ليوهموها بأنها في غنى عنهم جميهم فتسقط وسيسقط كل هؤلاء!
فمن لا يجد أمّْا تحتويه وأختًا تسانده وزوجة تعينه وتتحمل عثرات الطريق معه، فأين سيكون مصيره؟!
فلم يعد هناك اتزان بين توزيع المهام الموكلة للمرأة ولا للرجل، فمن أرادت الحرية بكامل صورها فتنصل وتعيش أمًّا عزباء أو حتى مع زوجها ولكنها أخذت حريتها بكاملها بالشكل الذي سوقوه لها، باتت تعاني الآن من ثقل المهام الموكلة إليها، لأنها وبطبيعة الحال (وهذا ليس فيه امتهان للمرأة ولا أحد يتحسس من ذلك) لأن قواها محدودة، فلا يمكنها أن تكون زوجة وأم وأخت وابنة وصديقة وعاملة أو طالبة وصباغ ونجار وسائقة وسباك في الوقت نفسه!
فمن تتعرض للعنف المنزلي فإن القاضي بسهولة سيحكم لصالحها الآن، ومن لا تقدر على الحفاظ على حجابها الظاهري والباطني في وجود الأجنبي ولا تمتلك حصانة ذاتية فإن العمل المنزلي أفكاره كثيرة جدًّا، ومن لا تقدر على الاستغناء عن الأفلام والمسلسلات فبإمكانها البحث عمن لا يؤثر على عقيدتها وإيمانها، ولا أحد يستصغر الذنب فأن رسول الله روحي فداه يقول لأبي ذر (يا أبا ذر لا تنظر إلى الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت) وإن أضعف أثر لذلك الذنب هو سلبنا التوفيق في أداء صلاة الليل.
إننا محاربون من كل جانب فعلينا بالتحصين الفكري والعلمي لنا ولأبنائنا للرد على أية شبهة تواجهنا، لأن ميزة هؤلاء أنهم لا ينفكون يستمرون في غرس وزرع أفكارهم وبقوى وعدة وعتاد لا تستطيع مجابهته إلا بالتسلح بالعلم والصبر، وإننا لنا في النبي وآله أسوة وقدوة حسنة فإن أمير المؤمنين والسيدة فاطمة الزهراء قد تعاونا في تقسيم المهام، هي داخل البيت وهو خارجه، ولنا في السيدة زينب أسوة وقدوة حسنة حين أعانت أخاها أبا عبدالله الحسين في نشر رسالته واستعانت بأبي الفضل العباس محام لها وصبروا جميعا على البلاء، فليس لنا سواهم والتمسك بحبلهم وبكتاب الله والتدبر فيه، فإني لم أجد متدبرًا لكتاب الله متخبطًا في هذه الحياة، فهو البلسم والشفاء للروح والعلاج لكل مشاكل الدنيا صغيرها وكبيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى