أقلام

هل تختلف رؤيتنا للألوان باختلاف اللغة التي نتحدث بها؟

بقلم البرفيسور بيدرو راؤول مونتورو مارتينيز، رئيس قسم النفس الأساسي، الجامعة الوطنية للتعليم عن بعد UNED ، في مدريد

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

عندما نفتح أعيننا، يظهر أمامنا مباشرةً ألوان لا عد لها ولا حصر.  لكنها ليست مجرد زينة تزين عالمنا المرئي: انما لتمكننا من التعرف على الأشياء والأجسام والمواد في بيئتنا وتشخيصها.  كما أنها تجعل التواصل مع الآخرين أمرًا سهلًا، وبفضل الألوان نتمكن من التمييز بين موزة صفراء ناضجة وأخرى ما تزال “خضراء نية”. أو نتمكن من أن نسأل في المتجر عن مقاس الحذاء “الأحمر” المعروض.

على الرغم من أن عدد الفروق الدقيقة بين الألوان التي يمكننا رؤيتها (ادراكها حسيًا) عدد هائل، إلا أن الوظيفة (الأهداف) التواصلية للألوان تعني أن عدد الكلمات المستخدمة للإشارة إليها عدد محدود.  تُعرف هذه الظاهرة باسم تصنيف الألوان.  تصنيف الألوان هي طيف من الألوان التي ننسبها إلى أحد الألوان، مثل اللون الأحمر أو اللون الأصفر أو اللون الأزرق أو اللون الوردي أو اللون البني.

تصنيف الألوان يبين أن عالم الألوان، كما تتأثر العديد من جوانب الإدراك الحسي الأخرى ، يمكن أن يتأثر بالعوامل الثقافية وخبراتنا وتجاربنا وممارساتنا التعلمية.

كم عدد الكلمات التي تعني ثلجًا؟

ربما قرأت أن شعب الإنويت (الأسكيمو) قادر على التمييز بين العديد من أنواع الثلج المختلفة لأن لديهم عشرات المصطلحات في لغتهم يستخدمونها للإشارة إلى نوع الثلج.  ومع ذلك، فهذه تعتبر أسطورة علم زائف(1) انتشرت في النصف الأول من القرن العشرين من قبل عالم اللسانيات بنيامين وورف Benjamin Whorf. كان وورف مدافعًا قويًا عن النظرية القائلة بأن اللغة التي نتعلمها تؤثر بشكل كبير في الطريقة التي ندرك بها المحيط حسيًا ونتذكره ونفكر فيه، وهي فرضية تسمى النسبية اللغوية (2).

ثلج متساقط للتو ناعم powder ice

في الواقع، تحتوي لغة الإسكيمو على أربع كلمات أساسية فقط للثلج، والتي اشتُق منها بضع كلمات أخرى.  في اللغة الإنجليزية، على سبيل المثال، يوجد مصطلح واحد فقط للثلج، ولكن بربطه بكلمات أخرى  من الممكن أيضًا التمييز بين حالات الثلج المختلفة، مثل بودرة  الثلج [بودرة الثلج هي الثلج الناعم المتساقط للتو، ولم يمسه أحد بعد، حيث تشكل البودرة والرقائق الصغيرة والبلورات السطح الأملس واللين على سطح الجبال] أو الثلج  المتجمع من عمليات التزلج [crud ice] أو الثلج اللزج [أي محتوى الماء في الثلج أكثر من اللازم مما يبطيء من عملية التزلج ](3).  وبهذه القدرة المحدودة على التمييز بين أنواع الثلج، لا يحتاج المتزلجون الناطقون باللغة الإنجليزية إلى تعلم لغة الإسكيمو حتى يتمكنوا من الإحساس بكل تدرجات أنواع الثلج هذه والحديث عنها.

الجليد المتجمع جزاء عملية التزلج crud ice

كيف تصنف الألوان

هل يمكننا بعد ذلك استبعاد فكرة أن لغتنا الأم تؤثر في مدى إدراكنا الحسي (رؤيتنا) للألوان؟ الطريقة التي نصنف بها الألوان في فئات هي كانت ولا زالت بمثابة ساحة اختبار نشطة للغاية لفرضية النسبية اللغوية(2).

الدراسة(4) الكلاسيكية لعالمي الأنثروبولوجيا برنت برلين Brent Berlin  وبول كاي Paul Kay (نشرت عام 1969) قدمت مساهمة مهمة جدًا في هذا الحقل. قام هذان الباحثان بدراسة مفردات الألوان في 100 لغة ووجدوا أن مصطلحات اللون لم تنتشر عشوائيًا بين اللغات، ولكنها تقتفي تسلسلًا هرميًا يمكن التنبؤ به.  إذا كانت اللغة تحتوي على كلمتين للألوان فقط، فهذان اللونان هما اللون الأبيض والأسود. إذا كان في اللغة ثلاث كلمات للألوان، فهي اللون الأبيض والأسود والأحمر.  واللغة التي فيها خمسة ألوان، يضاف اللون الأخضر والأصفر إلى الألوان السابقة. وهلم جرا.

رؤيجة اللون

باختصار، على القيض من فرضية النسبية اللغوية، فإن ما وجدناه هو نمط عالمي يتمحور حول الألوان الأساسية الستة التي اقترحتها نظريات رؤية الألوان(5): الأبيض والأسود والأزرق والأصفر والأخضر والأحمر.

متى يكون اللون الأزرق أزرقًا سماويًا؟

في اللغتين الإنجليزية والإسبانية، هناك مصطلح أساسي واحد للإشارة إلى الألوان المائلة إلى الزرقة.  ولكن، في لغات مثل اللغة الروسية واليونانية والتركية، يوجد مصطلحان مختلفان للأزرق الفاتح والأزرق الغامق. على سبيل المثال، في اليونانية، هذان المصطلحان هما “غالازيو ghalazio” (أزرق فاتح) و “بلي ble” (أزرق غامق).

أثبتت العديد من الدراسات(6) أن الممتكلمين بهذه اللغات أسرع وأكثر ثقة عندما يتعلق الأمر بالتمييز بين الأزرق الفاتح والأزرق الغامق.  علاوة على ذلك، فإنهم يبالغون في الاختلافات في معالجة المعلومات الحسية [المستلمة عبر الحواس] بين الألوان المتكونة من المزج بين لونين [مثل اللون الأحمر البرتغالي] مقارنة بمتحدثي اللغة الإنجليزية أو الإسبانية، كما لو كانت ألوانًا مختلفة بالنسبة لهم.

نتائج مشابهة أخرى عن فئات ألوان مختلفة أدت إلى استنتاج مفاده أن تصنيف الألوان الذي تستخدمه كل لغة لتسمية الألوان يؤثر في الطريقة التي من خلالها يدركها حسيًا المتحدثون بهذه اللغات ويتذكرونها.

هل نرى اللون كما نتكلم به؟

تظهر الأبحاث الحديثة(6) أن هناك بالفعل بعض التأثير للغة الأم في معالجة الألوان دماغيًا.  ومع ذلك، فإن هذه النسبية اللغوية بعيدة كل البعد عن نظرية وورف المجلجلة.

في الواقع، بالتدريب السريع، يمكن لأي شخص توسيع مفردات الألوان لديه وتعلم التمييز بين درجات اللون الأزرق المختلفة أو أي لون آخر بسهولة، كما أثبتت العديد من الدراسات(6).  وبالمثل، حتى الذين لا يعرفون الأنواع الفرعية للثلج يمكنهم تعلم التمييز بينها وتسميتها، كما يستطيع الإسكيمو أو المتزلجون ذلك.

ومن المثير للاهتمام، في ورقة بحثية (7) على متحدثين باللغة اليونانية الذين عاشوا لفترة طويلة في المملكة المتحدة، تبين أنهم يشبهون “غالازيو (الأزرق الفاتح)” بالـ “بلي (الأزرق الغامق)” بسبب تأثير اللغة الإنجليزية فيهم. مرونة جهازنا الإدراكي(8) تسمح لنا بالتكيف مع بيئتنا من أجل الاستمرار في الاستمتاع بمزج الأضواء والألوان(9).

مصادر من داخل وخارج النص

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_زائف

2- “فرضية النسبية اللغوية ( linguistic relativity) هي جزء من النسبوية، المعروفة أيضًا بفرضية سابير وورف أو الوورفانية، كلها تشير لمبدأ تأثير بنية اللغة في رؤية المحيط الخاص بالمتكلم أو على إدراكه / معرفته cognition [المترجم: عملياته العقلية لاكتساب المعرفة وفهمه لها عن طريق التفكير والادراك الحسي عبر الحواس]، لذا فإن تصورات الأشخاص نسبية تخضع للغتهم المنطوقة.  مقتبس بتصرف من نص ورد على هذا العنوان:

https://ar.wikipedia.org/wiki/نسبية_لغوية

3- https://www.abc-of-snowboarding.com/types-of-snow-crust-crud-slush-powder-ice/

4- https://press.uchicago.edu/ucp/books/book/distributed/B/bo3643648.html

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/رؤية_اللون

6- https://www.annualreviews.org/doi/abs/10.1146/annurev-vision-091517-034231

7- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0010027710001289?via%3Dihub

8- https://ar.wikipedia.org/wiki/جهاز_الإدراك_الحسي

9- https://ar.wikipedia.org/wiki/مزج_الألوان

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/do-we-perceive-colours-differently-depending-on-the-language-we-speak-192116

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى