أقلام

وما أدراك ما فاطمة (ع)

السيد فاضل آل درويش

ورد عن الإمام موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: كانت فاطمة (عليها السلام) إذا دعت تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها.
فقيل لها: يا بنت رسول الله إنك تدعين للناس ولا تدعين لنفسك، فقالت: الجار ثم الدار )(بحار الأنوار ج ٤٣ ص ٨٢).
من الجوانب الكاشفة عن عظمة الزهراء والمكانة العالية التي كانت عليها هي تلك الكلمات والخطب الواردة إلينا على لسانها، وبنظرة متأنية نجد تلك البيانات في أعلى درجات البيان والرصانة والمضامين العالية، وقد حبكت بأسلوب بلاغي جميل، ودون شك فإن العبارات المفعمة بالمفاهيم وبيانها والإرشاد إلى معالي الأمور وسياق البراهين عليها مما يدل على المقام العالي لتلك الكنوز الثمينة من الحكم والمواعظ، فخلاصة القيم الدينية وأصول الدين وفروعه والعلل المترتبة على الفرائض الإلهية على العباد قد صاغتها وأبانتها بأفضل أسلوب في تلك الخطبة الغراء المأثورة عنها، ولذا لابد من بذل المزيد من الجهود في دراسة وقراءة الإرث الديني لمولاتنا الزهراء، وإظهار العناية بها من خلال تسليط أدوات التحليل والتبيين لما تحمله من مضامين وقيم لا غنى للإنسانية عنها في رحلتها الجوهرية نحو التقدم والازدهار.
من الخصائص التي امتاز بها تراث مولاتنا الزهراء (ع) مطابقته و ملازمته لما حملته الرسالة الإسلامية من قيم وإرشادات، فلا فكاك بين خطاب الزهراء وبين الخطاب النبوي فكأنها تتحدث على لسانه وببيانه (ص)، تضرب بكلماتها النيرة جذور التاريخ البشري فتذكر برسالة الأنبياء وخاتميتها ودورها في هداية الناس نحو الحق والفضيلة، كما أنها تخاطب الوجدان بما يشعر المرء بالمسؤولية تجاه الخالق والدور الوظيفي المتمثل بالتفكر والعبادة في الدنيا، كما أنها تخاطب الوجدان الإنساني وتدعوه إلى التصالح مع الذات والتسامح مع إساءة الآخرين وعقد رابطة الإخوة الحقيقية التي ينظر من خلالها المرء إلى من حوله بروح المحبة والشفقة فيقدم لهم كل عون ومساعدة تخضع لقدراته دون تواكل أو تردد، ففي هذا الخبر المروي عن المعصومين (ع) والذي يصور فيه الحالة العبادية والروحية لأمه الزهراء (ع)، أظهر أن هذه الحوراء الإنسية ما نالت مكانتها العالية من فراغ، بل كانت على أعلى درجات صفاء القلب والروح والانقطاع إلى الله تعالى في هدوء الليل وقد هجعت الناس وخلدت إلى النوم، ولكن روح الشوق إلى الباري تحجب عنها لذيذ النوم وتجد اللذة الحقيقية في الوقوف بين يديه سبحانه، وفي ذلك درس ملهم لمن اجتاحت نفوسهم هجمة الحياة المادية واللهث خلف المظاهر الخداعة والاقتصار في السعي والتفكير عليها فقط، فإن النفس البشرية لها حاجات تريد من صاحبها أن يشبعها لتنال ما يترتب عليها من نتائج، فالصلاة الخاشعة – كما تعلمنا الزهراء (ع) تسكب على النفس الطمأنينة و الراحة النفسية من خلال اتصالها بالباري والثقة بتدبيره، ونحن نعرف اليوم المرض العاصف بالناس والذي يسلبهم راحة البال ويحرمهم من الاستيناس باللحظات الجميلة في حياتهم، ألا وهو القلق والهواجس من المستقبل المجهول، ومهما بحثوا عن مهدئات تعيد لهم الطمأنينة في نطاق الأمور المادية كالمال والجاه وغيره فإنهم يجرون خلف السراب، وذلك أنه لا ضمانية لأي شيء في حياة الإنسان على مستوى صحته أو عمره أو رزقه عمومًا، ولكن اللجوء للقادر على كل شيء والتوكل عليه في كل أمورنا واليقين بأن كل ما يصيبنا هو خير وصلاح لنا وإن تشكل بصورة إخفاق أو ألم أو تعثر يبعث الهدوء النفسي، هذا الشعور الإيماني يعد محركًا قويًا للإنسان في معترك الحياة وساحة العمل ، فيواجه التحديات والصعوبات بإرادة قوية متسلحة بالصبر والأمل بالله عز و جل، والصلاة خير عون يستعين به المؤمن في مواجهة المشاكل والإخفاقات ومعالجتها بأفضل السبل.
هذا على مستوى التصالح مع الذات وأما بث روح التسامح بين أفراد المجتمع، فلننظر إلى صفاء قلب الزهراء (ع) ودعاؤها للناس بما يصلح حالهم ويقضي حوائجهم، وهذا درس مهم أيضا نقتدي به بمولاتنا الزهراء (ع) على مستوى علاقاتنا الأسرية والاجتماعية، فالاحتكاكات بين الزوجين أو أفراد الأسرة أو الجيران والزملاء في الدراسة والعمل أمر وارد وطبيعي، وقد يتجه البعض إلى أسلوب الكبت وفهم الآخر بعين سوء الظن والاعتقاد بأنهم يعتبرونه طرفا ضعيفا فيتعرضون له بالإساءة فينكفيء على نفسه، وآخر يتخذ أسلوب المواجهة ورد الإساءة بمثلها فيرتفع من صراعهم دخان الكراهية والأحقاد، وأما مايعود بالنفع على الفرد والمجتمع فهو تجاهل الإساءة وإبعادها عن طريقه وتقبل اعتذار المسيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى