أقلام

(أبي الذي أكره)..تأملات حول التعافي من إساءات الأبوين وصدمات النشأة

بشرى اليحيى

كتابة نفسية وأدبية واعية بيد طبيب متميز؛ كتاب من تأليف الطبيب المصري د.عماد رشاد عثمان بكالريوس الطب والجراحة، باحث ملتحق بدرجة الماجستير أمراض المخ والأعصاب والطب النفسي، روائي وأديب.

عدد الصفحات ٣١٠  عن دار النشر (الرواق للنشر والتوزيع) بالطبعة الثامنة.

ويقع الكتاب في ستة فصول رئيسة، هي: (السجن-التكوين-الإساءات واضطرابات العلاقات-التعافي-مراحل التعافي من الإساءات -الخلاصة).

الكتاب لم يكن من أجل التباكي على المظالم وعيش دور الضحية، بل هو دعوة للوعي بمسؤولية الفرد تجاه نفسه، والعمل على تحريرها من أجل نفسه أولًا، ومن أجل أبنائه ثانيًا، ومن أجل مجتمعه والبشرية جمعاء ثالثًا.

حاول الكاتب من خلال كتابه أن يمد يد المساعدة بأسلوب بسيط وسلس كي ينتشل القارئ من سجنه (الإساءة التي جعلت منه حبيسًا لها) للخروج والانطلاق في فضاء التعافي واستكمال نموه المتعطل حتى يتعافى ويُنشِئ جيلًا متعافيًا، فلا يكرر مع أبنائه ماكان ضحيته يومًا، وإن اختلفت الصور دون وعي أو قصد منه.
الكتاب موجه للأب والابن في كل قارئ وهو مناسب جدًا لفئة الشباب والناشئة. ومن الروعة لو أنه أُقِرّ كمنهج دراسي حيث سيكون كالوقاية التي تسبق العلاج، والعلاج الذي يوقف استفحال المرض.

نجح الكاتب في شد الانتباه وتحقيق الجذب والترويج للكتاب باختيار هذا الأسم الذي لم يقصد به الأب أو الوالدين فقط، وإنما كل ما ترمز له السلطة الوالدية أو مايقوم مقامها.

جاء الغلاف ملائمًا لعنوانه، ومحتواه، والرسالة التي أراد الكاتب إيصالها وكأنه يقول (بأن الوالدية علاقة جميلة، وتحمل طيب النوايا، ولكنها قد تصنع قفص يُبقي الابن بين قضبانه فيتجمد نموه السليم ويُمضي حياته طفلًا جريحًا حبيس القفص).

تضمن الكتاب بعض المصطلحات العلمية والأكاديمية التي كانت بحاجة لمزيد من التوضيح من خلال هوامش افتقر إليها.

يُعاب عليه كذلك بعض الفوضى -إن صح التعبير- والتشتت وكأنه عبارة عن محاضرة أُفرغت في سطور دون إعادة مراجعتها لتوائم كتابًا. كذلك أسهب في الشرح المطول والتكرار الذي لم يخدم القارئ ولم يزد المعنى وضوحًا، ولكن مايغفر للكاتب أنه قدم الكتاب على أنه (تأملات حول التعافي) ولم يدعي بأنه (خارطة تعافٍ أو خطة علاج).
ورغم ذلك فالمحتوى أكثر من جيد، بل رائع ومهم، فقد نجح المؤلف في إثارة مشاعر القراء وتلمس جراحهم بجرأة الطرح وواقعيته دون مداراة ولا مواراة.

يحاول الدكتور عماد من خلال كتابه أن يعيننا باعتبارنا قراءً على ملاحظة أزدواجية مشاعرنا تجاه آبائنا، مما يساعد على تفكيكها والتصالح معها، ثم كسر حلقة الإساءات حتى لا نسلمها لأبنائنا جيلًا بعد جيل.

(أبي الذي أكره) أحد أفضل الكتب التي قرأت حتى الآن وأكثرها تميزًا، فهو أحد تلك الكتب التي لن تكون بعد قراءته كما كنت قبله.
نصيحة (احرص على أن تدل عليه كل من يهمك أمره وأقرأه مرة ومرات، بل واجعل منه بوصلة تعود إليها كلما حاولت جراح طفولتك التمرد، أو حاول قفصك أن يعيدك للحبس).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى