أقلام

قلق من يخاف الفوت

جاسم المشرَّف

لا يهدأ لا يتوقف، من موقع إلى آخر، ومن خبر إلى خبر، ومن قناة إلى قناة، ومن هذا الكتاب إلى ذاك الكتاب، ومن صديق إلى صديق، ومن برامج إلى فعالية، إلى ديوانية، إلى احتفالية، إلى عزاء، إلى وإلى.
جميل أن يكون لك شغفك، وحضورك، ولكن كل حضور هو غياب من جانب آخر.

قلق الفوت، قد يصيبنا بمقتل من حيث لا نشعر، نبقى معه في لهاث لا ينتهي، في متابعة جانب ما من حياتنا، على حساب بل دمار جوانب أخرى، نجاح بتفوق ومرتبة الشرف الأولى في مادة من مدرسة الحياة، وفشل ذريع وربما مخزٍ في مواد أخرى قد تكون أولى وأهم.

قلق “من يخاف الفوت” غالبا ما يدفع إلى ردود أفعال مبالغ فيها، ولا تحمد عقباها؛ لأنه قائم من الأساس على سوء التقدير. ومن أساء التقدير لم يحسن التدبير.

عبادة الهُوية الاجتماعية أو الثقافية أو الأدبية في حياتنا قد يودي بنا إلى اضطرابات في شخصياتنا (ليس لها من دون الله كاشفة)، وأهمها التوتر والاضطراب، وغياب السكينة، “وإنما يعجل من يخاف الفوت” كما يقول الإمام زين العابدين عليه السلام.

غريب أمر هذا الإنسان يبحث عن الطمأنينة، والسكينة، سالكاً غير مسالكها، ثم يعاتب القدر لِمَ لم يعطه بغيته، وحاجته!.

إن التوازن والاتساق، والتناغم والتواؤم محددات لا تستقيم حياتنا إلا بها، وأي اعتلال في بُعد من أبعاد وجودنا سيؤثر لا محالة على بقية الأبعاد.

الكون قائم على نظام تتناغم فيه كل أبعاده باتساق بديع، لا يطغى فيه بعد على آخر، ولا يخرج فيه كوكب عن مداره، ولا ظاهرة عن مقدارها الذي أريد لها، ودورها الذي خلقت، وهكذا الإنسان، إنه ممثل الله تعالى في أرضه، وكماله في أن تتجلى كمالات الله المحيط الحكيم في شخصيته، “وكل شيء عنده بمقدار”، ولكل شيء عنده أمد وحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى