أقلام

قاعدة التشكيك

صالح مكي المرهون

من القواعد المهمة في طلب العلم قاعدة التشكيك، والتشكيك معناه عدم الانقياد لأية معلومة وأخذها مسلمة، لأن أخذها هكذا تجعل العقل يستسلم لها سواء كانت خاطئة أم صائبة، ومن طبيعة العقل أنه يشتق معلومات متعددة من معلومة واحدة، فإذا كانت هذه المعلومة خاطئة فبالتأكيد كذلك ما يبنى عليها، ولا بد من السؤال عنها والتأكد منها وإلا سيكون خاطئًا، وسيتضرر العقل نتيجة المعلومات الخاطئة في هذا المنهج الخاطئ،
إذن النصيحة الذهبية هنا: لا تنقل معلومة ما أبدًا ما لم تتأكد منها، وهنا أقصد طلاب العلوم لأن بعضهم لا يمتلك المعلومة الكافية سواء كانت معلومة دينية أم حكم فتوى، فيخبر الناس بها دون أن يتأكد منها تمامًا، وكن أنت مالك المعلومة ولا تجعلها تملكك، فإذا ملكتها كنت قادرًا على ان تملك غيرها، بل ستتعود بعدها على ملك المعلومات والسيطرة عليها، وإذا ملكتها كنت قادرًا على أن تتعداها إذا كانت خاطئة أو باطلة، أما إذا كانت صحيحة فتملكك لهذه المعلومة يجعلك تقصر عن إدراك غيرها، لأنها حبست عقلك في إطارها، وإذا كانت باطلة أو خاطئة قادتك إلى معلومات باطلة خاطئة أخرى.
والتشكيك ينبغي أن يشمل حتى الآراء التي تؤمن بها سابقًا، فعندما يطرح رأي علمي أو معلومة ما للمناقشة، أو عندما يستدعيها عقلك في ظرف ما، فإن إعادة النظر فيها سيكون مفيدًا جدًا، ولن تتحقق إعادة النظر هذه بشكلها الصحيح إلا إذا أخضعت الرأي أو المعلومة إلى التشكيك، وعندما تشكك وتعيش مع هذا التشكيك فإنك ستصل حتمًا إلى الإيمان، وليس الإيمان فقط بل تصل إلى الإيمان العميق جدًا،
وأهم موانع التشكيك هو مصدر المعلومة، فمتى ما كان مصدر المعلومة مهمًا في نظرك فإنك تميل إلى التصديق بمقولته، وهذا أمر ملموس في البحوث العلمية العقائدية التي تستند إلى آيات وروايات، فالثقة بالقائل سواء كان قرآنًا أو إمامًا أو عالمًا، يسترسل الباحث في المعلومة المستفادة دون تمحيص، ودون البحث عما وراءها، وهذا سلوك علمي غير صحيح، وإذا كان الأمر يهون في معلومات القرآن أو السنة الشريفة إلى حد ما، فإنه لا ينبغي أن يكون كذلك عند صدور المعلومة من عالم، فإن الميل إلى تصديق ما يقوله العالم قد يكون فيه الهلاك العلمي، ونحن هنا لا نقصد مجال الفتوى والتقليد، فمن قلد عالمًا انقاد له، وإنما نقصد الأمور العلمية التي يكون الشخص مؤهلًا لمناقشتها بعد إدراكها، وإن كانت حتى الفتاوى الشرعية والتقليد فيها لا يعطي مبررًا لعدم الخوض في فلسفتها للتأكد منها.
إذن أعود لأقول: إذا رأيت عالمًا وكان لديك قناعة بأنه عالم كبير فلا تؤمن أن كل ما يقوله صحيح، وناقش المعلومة ظاهرًا وباطنًا حتى إن صدرت من ذلك العالم، وهذا هو السلوك العلمي الصحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى