أقلام

العزلة والانطواء

صالح المرهون

حقيقة العزلة والانطواء عن الناس، فبعد عرض روايات وفوائد العزلة، كالفراغ للعبادة والذكر والتخلص من المعاصي التي يتعرض الإنسان لها غالبًا بالمخالطة، كالتخلص من الغيبة والنميمة والكذب، ومن إيذاء الناس

وعرض فوائد المخالطة كالتعليم والتعلم وزيارة الإخوة والمرضى وقضاء حوائج المحتاجين وخدمة المجتمع المؤمن، يحكم بأن ترجيح أحدهما أي الاختلاط على العزلة، أو العكس على الإطلاق خطأ، ويخلص إلى أن العزلة مسألة نسبية

وأود هنا بالتأكيد على المخالطة، إذا كانت المخالطة مع الناس تشغل القلب عن التو جه إلى الله، فهل يريد الله منا أن نتوجه إليه بالذكر، فإذا ما أراد ذلك فلماذا خلقنا وأنزلنا إلى الدنيا؟ ألم يفعل ذلك للإصلاح؟ وهل يأتي الإصلاح بذكر الله فقط؟ لو كان ذلك لأمر رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة أولياءهم بالعزلة عن الناس والعالم، ثم أن العبادة التي يقال: إن العزلة توفرها، هي عبادة مجردة أي ذكرية لفظية، أما العبادة التي هي غاية من هذه العبادة الذكرية، وهي الإصلاح والإحسان إلى الناس وصلة الرحم الواجبة، فلا تاتي غالبًا إلا بالمخالطة، بل يمكننا ترجيح العيش مع الناس ومخالطتهم على العزلة وخاصة بالنسبة للمؤمن المتعلم أو العالم المؤثر بأخلاقه وتواضعه في غيره، أي له أهمية على غيره من الناس، فعيشه وسط الناس والمجتمع أفضل له من قراءة كتب أو عبادة بين جدران، وإذا ظن أنه يصل إلى الله عن طريق العزلة فهذا طريق صحراوي، أي يصل هو فقط، فالطريق إلى الله ودخول الجنة هو قضاء حوائج الناس، ومعرفة ما عندهم من هموم، ومعرفة لماذا خلقه الله، هل خلقه للسبحة والجدار، هذا فهم خاطئ، هو يريد أن يمشي إلى الجنة ولكن معايشته للناس هو جلب للجنة وعيش فيها، بعضهم يريد أن يصل إلى الجنة عن طريق البعد عن الناس والحق يوجه بأن يعيش الجنة، فجنة الدنيا قضاء حوائج الناس ومعرفة همومهم، نشر الدين، الابتسامة، حسن الخلق، وحسن المعاملة، والتواضع، هذه الجنة جنة دنيوية أخروية، هي الجنة الحقيقية، أما أن أسعى للجنة وأعيش هم وصولي وعدم وصولي، فهذا لا معنى له.

روي عن الرسول الأكرم محمدصلى الله عليه وآله: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم). ولنتأمل هنا لماذا كان أفضل له!

هذا بالنسبة للعزلة التي يتحدث عنها الأخلاقيون، وهناك عزلة وانطواء يصاب بها بعض الشباب من الجنسين هي أقرب إلى المرض النفسي أو الحالة النفسية السلبية، وهذه الحقيقة لا توجد لها أسباب محدده فالأسباب مفتوحة شرط أن تصب في مصب واحد، وهو نبذ تجربة مع الآخرين بسبب كون هذه التجربة سلبية جدًا على النفس، بمعنى أن سبب الانطواء العام هو أن الاختلاط بالناس قد تسبب بأذى عميق لهذا الشخص بحيث إنه عمم هذا الأذى على مطلق الاختلاط، فهرب من الناس إلى نفسه، وهذه الحالة- كما قلنا مضرة للنفس والجسد، والشخص المصاب بهذه الحالة عليه أن يلجأ إلى التفكير المنطقي، والابتعاد عن الخيال والوهم وإغراءات النفس بالعيش في المخيلة التبريرية، ويحاول أن يضبط تفكيره على مقدمات صحيحة واقعية، كما أن محاولة تقوية الشخصية هو سبيل أيضًا للتخلص من هذه الحالة السلبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى