أقلام

كيف يكون إكرام الضيف ؟

د. إبراهيم المسلمي

سؤال ربما لا يتكرر كثيرًا في مجتمعنا لأننا ننتمي إلى مجتمع توارث صفة حب إكرام الضيف منذ القدم وعُرف العرب في الجاهلية بالكرم، والاعتزاز والافتخار وبإكرام الضيف حتى قيل للرجل الكريم : (كثير الرماد ) كناية عن المضياف لكثرة ما يشعل من الحطب تحت قدوره ليعد طعام الضيوف ومن ذلك إلى كثرة الآكلين ومنها إلى كثرة الضّيوف ولما جاء الإسلام على يدي الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أكد على هذه الصفة النبيلة والخلق الجميل وجعلها من صفات المؤمن وجعل لها أثرًا دنيوياً كزيادة الرزق وثوابا أخروياً كغفران الذنوب، ودخول الجنة.

ولكن كثيرًا ما تقام مأدبة طعام على شرف ضيف أو أضياف فترى فيها السرف والبذخ في الطعام والشراب إلى حد يصل إلى أن يستنكر فيها الضيف ومن معه كثرة ما يتبقى من الطعام اللذيذ والصالح للأكل وإن قال الضيف ومن معه في آخر المجلس لمضيفه: أكرمكم الله إكرام الصالحين كثر الله خيرك فيقول صاحب الضيافة متواضعًا: هذا قليل في حقكم أنا مقصر سامحوني على التقصير وغيرها من التعبيرات لمجاملة ضيوفه وربما كان الاستغراب من أن الطعام الكثير الزائد يرمى في القمامة أو في الصحراء أمام الضيوف والعجيب أن لو كان الضيف في محل مضيفه لفعل مثل ذلك وربما أكثر، مجاراة للأعراف الاجتماعية الموروثة في طريقة الضيافة أو ربما تنافساً في إكرام الضيف إذا حل المضيف ضيفًا على ضيفه ولا شك أن كرم الضيافة وحدودها تختلف من شعب لآخر ومن زمان إلى زمان ومن شخص إلى شخص، حسب الموروثات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدينية والزمانية وقبل إصدار كتابي: (آداب الضيافة)كنت أبحث عن حدود الضيافة في مجتمعنا فكل من سألته يقول: حدود الضيافة في كلمتين: (لا إسراف ولا تقتير)، أي الاعتدال وهذا الكلام مطاطي لذا يختلف الناس في فهم وتطبيق معنى الإسراف الاعتدال فربما يصبح الإسراف كرماً و الاعتدال تبذيراً فلم أجد جواباً شافيًا إلا في قول الإمام الصادق عليه السلام: ” إذا أتاك أخوك فأته بما عندك وإذا دعوته فتكلف له” .

المحاسن ج ۲، ص ٤١٠.

‏وهذا القانون -إن صحت التسمية- يحكم ويقنن حدود الضيافة ويناسب كل زمان ومكان وكل طبقات المجتمع على اختلاف ثقافته، مراعياً الجانب الاقتصادي والزماني والنفسي للضيف ومضيفه، وكأن الإمام الصادق عليه السلام يقسم الضيف إلى نوعين :

ضيف يأتيك ويطرق بابك دون دعوة ودون علم صاحب الدار فيقول الإمام عليه السلام هذا النوع من الضيف لا بد أن يتقبل ما يقدم له في الحال من الزاد مما يتوفر في بيت المضيف؛ لأنه حلَ من غير علم المضيف فلا يكلف صاحب الدار ويرهق أهله ولا يكون الضيف ثقلاً على مضيفه لاسيما في الزمن الماضي حيث القلة في توفر الطعام في المنازل وصعوبة تحضيره للضيف بسرعة وعن الإمام علي عليه السلام : “شر الإخوان من تكلف له”

نهج البلاغة ج ۱، ص ٥٥٩.

أما النوع الثاني من الضيف فهو ممن يدعى للضيافة وهذا النوع من الضيف لا بد أن تكون ضيافته أكثر وأرتب كماً ونوعاً ممن يأتي دون دعوة حيث إن صاحب الدار هو من دعا ضيفه إلى داره فلديه الوقت والاستعداد لتجهيز ضيافة الضيف فلا عذر له في التقصير إلا ما كان خارج إرادته وإمكانياته وإلا فإن قلة طعام الضيف نقص في مروءة الرجل وإن كان العذر عند كرام الناس مقبول.

وإذا خرجنا عن حد التنافس والتباهي إلى حد التعقل والاقتصاد في الضيافة فإن قليل ما يقدم يكفي الكثير وزيادة كما ورد عن الإمام علي عليه السلام : ” أكثر الطعام بركة ما كثرت عليه الأيدي”.

دعائم الإسلام ج ۲، ص ۱۱٦.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله : “… طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة” .

الجعفریات (الأشعثیات) ج ۱، ص ۱٥٩.

مع عزف الكثير من الضيوف في هذه الأيام عن الطعام إما بسبب السمنة أو بسبب الأمراض المزمنة التي تتطلب الحمية من صاحبها بالإضافة إلى أن منازلنا ولله الحمد فيها الكثير مما يكفي الضيف وأهل الدار وليس كما في الأزمنة الغابرة الماضية حيث الفقر وقلة ذات اليد وشح الطعام حتى في الأسواق والجميل في بلادنا عندما تطلب طعاماً من بعض المطاعم فإن صاحب المطعم يقول لك : كم عدد ضيوفك؟ ليقدر لك كمية الطعام التي تحتاجها ليكون كافياً بالمعقول وفي بعضها يعطيك صاحب المطعم إناءً لكي تحمل ما تبقى من الطعام الزائد لتنقله إلى المحتاجين إليه إذا كنت تأكل في المطعم لأن هذا الطعام من نعم الله تعالى التي أنعم بها علينا فلا بد من الحفاظ عليها بالحمد والشكر، ومن معاني الشكر الاقتصاد في المأكل والمشرب وعدم السرف ورمي باقي الطعام ولأن توفير الطعام طاقة وجهد واقتصاد وطني بل عالمي لا بد من الحفاظ عليه وفي الوقت نفسه هناك من البشر من يحتاج إليه ليسد رمقه .

ومن خلال رواية الإمام الصادق عليه السلام حددت الضيافة بنحو معقول ومقبول ولا بد من علم الضيف ومضيفه بهذه الرواية الجميلة التي تحل الكثير من الإشكالات الاجتماعية في موضوع الضيافة إذا طبقت والسؤال الذي نبحث عن جوابه: كيف أكرم الضيف؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى