أقلام

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: القارئ العربي نجمًا

عبدالرزّاق الربيعي

فوجئ الشاب القادم من “السماوة” للمشاركة في مسابقة للمنافسة على لقب “قارئ العام”، حين وصل “الظهران” السعودية بصورة كبيرة له تتوسّط شوارعها، فسارع إلى التقاط صورة مع صورته المعلّقة، وقام بنشرها في صفحته في الفيسبوك، فحظي منشور الشاعر زين الدين المرشدي، وهذا هو اسمه، بتفاعل المتابعين لصفحة (القارئ) الذي يواصل دراسته في هندسة الطاقة. المثير بالأمر أنّنا اعتدنا على مشاهدة صور نجوم السينما، والغناء، ولاعبي كرة القدم معلّقة في الشوارع، أو في أعلى تقدير وضع تماثيل لهم في الساحات العامة ببعض الدول، لكنّنا لم نعتد على مشاهدة صورة لقارئ، غير أنّ مدينة “الخُبَر” الواقعة في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية التي احتضنت المسابقة، فعلتها وجعلت صور القرّاء العشرة المؤهلين للمنافسة على لقب “قارئ العام”، تزين شوارعها ضمن احتفاء منظّمي برنامج “إثراء القراءة” بنسخته الثامنة، أحد برامج مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي بالقراءة والقرّاء بمسابقة تحمل شعار “العالم العربي يقرأ” بحضور نخبة من الكتّاب العرب على رأسهم: أدونيس وواسيني الأعرج وشوقي بزيع، وإنعام كجه جي، قدموا ليناقشوا وضع القراءة في الوطن العربي، ويتضمّن البرنامج جلسة أخرى يكشف خلالها المشاركون عن قراءاتهم.

هذه الصورة أعادتني إلى سنوات خلت، حين كنت مدعوًا لملتقى الفجيرة الثقافي، ولفت نظري صور معلّقة في الشوارع للكاتب الجزائري واسيني الأعرج الذي كان مكرّما في ذلك الملتقى، ويومها كتبتُ مقالا أثني به على إمارة جعلت الكاتب نجماً في شوارعها في وقت تراجعت به القراءة وتكدّست الكتب في مخازن المطابع، وصارت الثقافة هامشًا بعد أن كانت في النصف الثاني من القرن الماضي متنًا، لكنها تراجعت لصالح الحياة الاستهلاكيّة، التي طحنت إنسان العصر، وجعلته يجري تلبية لمتطلباتها، لذا، من الطبيعي أن تتراجع القراءة، وتوضع الكتب في المخازن التي يعلوها الغبار، واختفت مكتبة البيت، وصارت الكتب في المكتبات للعرض، ولمن يحتاج إليها، من الباحثين والدارسين، وبدتْ معارض الكتب خاوية على عروشها، ناهيك عن استفحال ظاهرة الكراسي الفارغة في الجلسات التي تعقد على هامش تلك المعارض، إلا في عواصم معينة ما يزال فيها إقبال على شراء الكتب، فإعادة الاعتبار للقراءة يعني إحداث نقلة في المجتمع وتفكيره.

وهنا أستدعي مقولة د. علي الوردي “الإنسان يبحث عن تقدير المجتمع، فإن كان يقدر رجال الدين كثر المتدينون، وإن كان يقدر اللص كثر اللصوص”، وحين تتراجع القراءة يتراجع كلّ شيء، فهي تعطي غذاء لمفاصل الحياة وتمدّها بالوهج اللازم، فالطبيب يحتاج في عمله إلى القراءة، وكذلك المهندس، والفيزيائي، والمحامي، والعامل، كلّهم يحتاجون للقراءة، حتى الفلاح في حقله يحتاج إلى القراءة لمعرفة كل ما يتعلّق بمواسم الزراعة المناسبة لكلّ نبات، وليتمكّن من تجويد المحصول ويتجاوز الصعوبات التي تواجهها عملية الإنبات، فالقراءة زادنا في الحياة، وفي الأحلام، فإنّنا نقرأ لكي نحلم، ونتوغّل في الحلم، كما يرى ميشيل فوكو، وهي “حياة أخرى وملجأ شخصي نهرب إليه دائما”، كما ترى فرجينيا وولف، وإذا كانت القراءة تجعل “القراء يعيشون آلاف المرات”، حسب جورج أر.أر. مارتن “بينما الشخص الذي لم يقرأ يعيش مرة واحدة فقط”، وبالطبع نتحدّث عن قراءة منتجة، وليست أيّة قراءة، بل قراءة تقود إلى التفكير، والتأمّل والابتكار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى