أقلام

الرادود واللطم: وجدان أمة يتحرك بين الحاضر والماضي والمستقبل

زكريا العباد

١- وعي اللحظة:
ليست مجرد حلقة- أو شبه حلقة- تكاد تقفل حول المنشد (الرادود) لتعبر عن الاهتمام بما يقوله؛ فالجمهور يساهم فعليا في صياغة الحالة التي يخلقها (العزاء) من خلال هذه الحوارية بين الطرفين، يتجاذب الطرفان أطراف الطقس، فمرة ينشد الرادود ومرة يرد الجمهور ويجيب، حين ينشد الرادود تعزف أوركسترا الجمهور لكلماته موسيقى، يعزفونها بأجسادهم، يعزفونها بالألم لكي يتسامى شعورهم وتتعاظم الحالة التي يشترك الجميع في استيلادها، يعمل الجميع هنا على إنتاج حالة يصبحون فيها أقرب إلى المعشوق الذي يستهدفونه من خلال طقسهم؛ إنه (الحسين)، سيتجلى في نهاية المجلس، أو: ستتجلى الأرواح حين يشرق وجهه بابتسامة تعبر عن رضاه بما تبذله له من محبة، حينها سينصرف الجميع إلى منازلهم وفي داخلهم شعور بالرضا و(التطهّر)، لإن حبست عن نصرتك بحاجب من الزمن فلا أقل من أن أبكيك بحرقة، أبكيك بألم تستشعره خلايا جلدي حين تسوط يدي صدري فأتشرب الألم متذكرًا السيوف التي قطعت جسدك، إنني أبعثك لأعيش معك ألمك، نقتسم معك الألم لكي نخففه عنك، يحب هولاء الإخوة بعضهم بقدر ما يجتمعون حول موقد الحزن الواحد الذي يلهب أرواحهم ويمنحهم الدفء في آن، شعور واحد وهوية واحدة هي الحسين، الحسين عالم بكل تفاصيله المغروسة فيهم منذ الطفولة و المتشجرة في أرواحهم عبر السنين، الحسين خيمةً تحترق وأطفال يفرون ذعرًا، الحسين نساءً تتعرضن للإهانة بعد أن تربين في بيوت النور، الحسين قرآنٌ يمزق الحقد أوراقه ويدوس آياته الشريفة.

نكرر حتى انقطاع النفس: حسين حسين حسين حسين حسين، وفي كل مرة ننطق هذا الاسم يظهر مشهد من مشاهد كربلاء، بطل يهوي، أو خيل يطارد طفلا، أو نذل يسبي طفلة.

ونردد: حيدر حيدر حيدر، لا أعلم لماذا نختم طقسنا به، ليس من معنى واحد، ولكنه أبونا، أنه الأب والمصدر الذي تربى على يديه نور الحسين بعد رحيل النبي ورحيل نور الزهراء، إنه الجبل الذي يلد الجبال ويلد هويتنا، قد لا تعي أبعاد هويتك ولكن من السهل أن تنطقها بكلمة واحدة: علي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى