أقلام

العبق الفواح من سيرة الإمام الحسن المجتبى (ع) (١) 

السيد فاضل آل درويش 

إطلالة وشذر من سيرته:

إذا أردنا التعرف على معالم شخصية أي إنسان فلننظر في البداية إلى البيئة والبيت الذي عاش فيه وتلقى منه معالم معارفه وسلوكياته ومواقفه، ومن ثم نسير إلى الخطوة الأخرى وهي التأمل في سيرته ومواقفه لوضعها تحت مجهر الاستنتاج والبحث الدقيق والعميق والنقد، وعند الحديث عن شخصية الإمام المجتبى (ع) يعجز القلم عن الحديث عن عظيم وصاحب كمال ونبع فياض للفضائل مثله (ع)، كيف وسيرته العملية تجسيد لكل المعاني النورانية والقيم التربوية والأخلاقية ويعد القدوة الحسنة التي يستمد منها المؤمن معالم مسيره نحو الخير والصلاح في هذه الحياة، ومع كل كلمة نطق بها فمه الشريف وكل خطوة وموقف تقدم بها تعد نجمة مضيئة في سماء العمل المثابر، وما زلنا بعيدين – كل البعد – عن توفية حقه ولكننا نسعى إلى استجلاء الحقائق من معين سيرته الشريفة ليكون عنوان النجاح والإنجاز والتألق لمن أخذ بحجزتها وتمسك بأطرافها.

لقد عاش الإمام الحسن (ع) في كنف جده المصطفى (ص) وأنعم به مربيًا وهاديًا ومعلمًا ومرشدًا، وتغذى واستمد صفاته الغر من أبيه أمير المؤمنين (ع) وأمه الزهراء (ع) فظهرت علامات النجابة والسؤدد والعلياء والأخلاق الرفيعة على محياه الشريف، وكفى به (ع) معرفة وتقديرًا وتعظيمًا أن نعلم بأنه عاش في كنف البيت النوراني المطهر الذي رعته العناية والتسديد الإلهي، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}{ النور الآية ٣٦}.

لقد ارتوى (ع) من الدوحة النبوية والشجرة العلوية الفاطمية كل معالم الفضيلة ومكارم الأخلاق، فتجلت في سيرته الرائعة كل المعاني السامية من تواضع وحكمة وحلم كان مصدر الجاذبية والتعظيم لشخصيته المباركة، فكل محاولات التشويه والنيل من شخصيته المباركة لم تصمد أبدًا أمام كلمة يفوح منها معاني الرشد والوعي، أو موقف تجلى منه معاني الصدق والمصداقية والثبات والتمسك براية الحق والهدى والسير على منهج جده المصطفى (ص)، كيف وقد وجد الناس في سيرته التطابق مع سيرة جده (ص) وأبيه (ع) الإصلاحية والتبليغية ومكسرًا لصنمية الظلم وطغيان النفس، ولذا شكل الإمام الزكي (ع) المرجعية الرشيدة للناس بما كان يمتلكه من أسس ومعايير المعرفة والمواقف الصلبة ومنطق الحكمة في الحوار و الإقناع، وما كان يواجه الناس من أزمات على المستوى المعرفي في العقائد من إشكالات أو التعرف على المضامين العالية للآيات القرآنية وما تحويه من توجيهات وإرشادات، أو على المستوى الاجتماعي وما يقع بين الناس من خصومات وخلافات تتصاعد منها رائحة الكراهية والأحقاد، فكان جزءًا من عمله الرسالي والتبليغي الاهتمام بمعاناة الناس وما يسبب لهم الشقاء والتعب فيخفف عنهم همومهم ويقضي حوائجهم.

الإمام الزكي (ع) مدرسة أخلاقية يتلقى من خلالها الناس عبر الأجيال المتلاحقة الدروس والعبر المعينة لهم في أداء دورهم الوظيفي والتكاملي في الحياة، فقد واجه الإمام (ع) ظروفًا صعبة حملت معها الأكدار والآلام، ومع ذلك لم يبد منه (ع) إلا الصبر والتكيف مع الواقع الصعب والعمل المثابر في حدود الإمكانات المتاحة، وهذا يعطينا درسًا في فهم أحد مفاتيح الحياة وكيفية التعامل مع تموجاتها وتبدل أحوالها بعيدًا عن اليأس والروح التشاؤمية، فمن اتخذ الإمام الحسن (ع) إمام هدى ورشاد فهذا يعني أنه يستنير بفكره ومواقفه في مواجهة التحديات والصعاب بكل قوة واقتدار وثبات، فهمة الكثير من الناس تضعف ويتسلل إلى نفسه التململ وفقدان الأمل فيدخل في نوبة حزن وكآبة بسبب مواجهته لمشكلة يشعر معها بالغرق والخسران، بينما الدرس الذي نستلهمه من الإمام المجتبى (ع) هو الثقة بالله تعالى والأمل بتدبيره والأخذ بالأسباب مهما علت أمواج الصعاب، والعمل الجاد مع تحمل الأذى والمتاعب فإن التأييد الإلهي في عون عباده الصابرين والمتمسكين بحجزة الورع عن محارمه، فالنتائج لا نتحكم فيها تمامًا فنحن عامل من العوامل، ولكن الهمم العالية تغير في الواقع وتؤثر في النفوس بما تحمله من أخلاقيات جميلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى