أقلام

لماذا يحتاج المجتمع الى معرفة أكثر منهجية بالقيم الإنسانية

المترجم: عدنان احمد الحاجي

بقلم غريغوري مايو، برفسور في علم النفس من جامعة باث

عندما نتحدث عن “القيم الإنسانية” فإننا نعني الُمثُل المجردة. كالحرية والمساواة والأمن والتقاليد والسلام.

فالسياسيون يذكرون القيم في كل حين، في حين جميع أنواع الشركات تدعي أنها تضع “القيم الأساسية” في صميم أي نشاط من أنشطتها، وهذا يبدو منطقيًا تمامًا، لأن القيم جزء لا يتجزأ من حياتنا وداخلة في كل شيء نقوم به ونفعله. فالقيم تساعدنا على اختيار وظائفنا وشركاء حياتنا ومنازلنا والمنتجات الاستهلاكية التي نحتاجها والأيديولوجيات(1) التي نتبعها ونعمل على اساسها.

لكن النقاش بين عامة الناس(2) غالبًا ما يركز على التهديدات المتصورة التي تتعرض لها القيم المختلفة – على الرغم من أننا نادرًا ما نعترف بمشكلتنا في فهم القيم نفسها فهمًا حقيقيًا.

ماذا يعني، على سبيل المثال، أن يهدد الإرهاب قيم “الحرية”، إلاّ لأخذ التدابير اللازمة للدفاع الوطني من اجل أن تُعزز قيمة “الأمن”؟ ماذا يعني أن تهدد الحرب “السلام”، إلاّ ان تعزز “الديمقراطية”؟ ماذا يعني أن يهدد التنقيب عن النفط في القطب الشمالي “البيئة”، إلاّ أن يعزز “الثروة”.

كل هذه القيم مألوفة. ولكنها أمثلة رمزية لأفكار وافتراضات محسوسة، والتي غالبًا ما لا يستطيع الناس أو لا يرغبون في التعبير عنها.

وهناك تعقيد آخر يأتي من الناس الذين يفسرون القيم بطرق مختلفة. ولا يمكننا أبدًا أن نعرف على وجه التحديد ما الذي يعنيه الناس بالقيم المختلفة التي يقولون أنهم يحملونها. على سبيل المثال، قد نتفق مع صديق أن “المساواة” مهمة جدًا، ولكن قد يكون لدينا أفكار مختلفة حول ما ذَا تعني المساواة في المواقف الحقيقية (في الواقع المعاش).

قد نتصور نفس المُثل على المستوى المجرد (تكافؤ الفرص مقابل تكافؤ النتائج(3)، على سبيل المثال)، ولكن تفسيرنا لتطبيق المثُل سيكون مختلفًا.

انظر الى العاصفة التي اثيرت بشأن انتشار التحرش الجنسي في هوليوود (والمجتمع عموماً). يرى البعض أن الادعاءات ضد أشخاص مثل هارڤي وينشتاين Harvey Weinstein [مخرج أفلام أمريكي أُدين بجرائم جنسية] كقرينة على اللامساواة المنتشرة بين الذكور والإناث (4) . ويرى آخرون أنها ادعاءات سلوك فرد انتهازي. التفسير الأول يركز على المساواة، في حين يركز الثاني على سوء سلوك فردي.

لأن دراسة القيم شيء صعب – اذ لا يمكن وضعها تحت المجهر ودراستها – الدراسة التي أجريها اتخذت فيها منهجًا تجريبيًا(5) لمعالجة هذه القضية، ملاحظًا ومراقبًا لما يفكر فيه الناس ويفعلونه واقعًا. وبهذه الطريقة يمكننا أن نستنتج وجود قيم مستقاة من أراء وتقييمات الناس وسلوكياتهم / تصرفاتهم.

أحد العوامل المهمة التي تحدد ما إذا كان الناس يتصرفون بحسب قيمهم هو ما إذا كانوا قد أخذوها في الاعتبار مؤخرًا [جاءت على بالهم]. احتمال أن يقوم الشخص الذي أخذ وقتًا في التفكير في حماية البيئة بإعادة تدوير نفايات الورق أكثر من شخص مشغول ذهنه بتوفير المال(6) .

الفترة التي يقضيها في التفكير في حماية البيئة تُعتبر بمثابة تذكير بأهمية هذه القيمة، مما يجعل الناس يهتمون بها في الفرص التالية ليتصرفوا وفقًا لهذه القيمة.

غير أن الوعي بالقيمة لا يكفي. ولكن يتعين على الشخص أيضا أن يقرر ما اذا كانت القيمة تتناسب مع الحالة / الموقف. في الدول الصناعية الغنية، إعادة التدوير يُعتبر مثالًا سائدًا على السلوك المؤيد للبيئة. ولكن التصرفات الأخرى هي على الأقل جيدة للبيئة، ولكن لم تؤخد في الاعتبار كثيراً.

اعادة التدوير للحفاظ على البيئة

رؤية قيّمة

على سبيل المثال، بإمكاننا المساعدة على حماية البيئة بشكل كبير وذلك بتجنب السفر عن طريق الجو وبتناول غذاء نباتي . ولكن هذه أشياء لا تخطر على البال عندما يُطلب من الناس أن يضعوا قائمة بسلوكيات صديقة للبيئة. وهذا له أهميته لأن الكثير منها يعتمد على أمثلة ملموسة نستخدمها للقيم. في دراستنا، أشرنا إلى الأمثلة الملموسة على أنها “أمثلة على القيم(7، 8) “. ومن المرجح أن يبدي الناس قيمًا في ارائهم المتعلقة بالوضع وفي سلوكياتهم إذا كانوا قد أخذوا مؤخرا في الاعتبار أمثلة ملموسة نموذجية مشتركة لإحدى القيم وليس لقيمة نادرة وأن كانت بالمثل صحيحة أيضًا(9) .

الأمثلة المألوفة “تناسب” قيمة معينة بشكل أكثر وضوحًا وتحديدًا، ويمكن أن تكون أقوى من ناحية التذكير بالقيمة من الأمثلة النادرة. كما رأينا، إعادة التدوير هي أمثلة مناسِبة وسهلة وواضحة على حماية البيئة، وحين يصبح الشخص نباتيًا [أي يعتمد في غذائه على النبات] يمكن اعتبار ذلك مثاًلًا مناسباً وواضحًا على قيم أخرى، كالصحة أو معاملة (احترام) الحيوانات [المتمثل في ابقائها على الحياة وذلك بتجنب أكل لحومها] . دور هذه الأمثلة على قيمة حماية البيئة(10) قد يصبح غير واضح.

هذا النوع من الضبابية يأتي من الفصل بين المعنى المجرد للقيم والطرق المتباينة التي يطبق بها الناس تلك القيم. وفي العمل على تناول ومعالجة المشكلات البيئية والاجتماعية، نتغاضى عن العلاقات بين القيم وما يمثل تلك القيم بنحو يعرضنا للخطر.

إن تحسين معرفتنا بالعلاقة بينهما سيساعدنا على فهم دور القيم في حياتنا النفسية الاجتماعية بشكل أفضل – وأين تتلاءم وتنسجم مع الشخصية والأخلاق والثقافة الإنسانية.

مصادر من داخل وخارج النص

1- الايدلوجيا هي النسق الكلي للأفكار والمعتقدات والاتجاهات العامة الكامنة في أنماط سلوكية معينة. وهي تساعد على تفسير الأسس الأخلاقية للفعل الواقعي، وتعمل على توجيهه. وللنسق المقدرة على تبرير السلوك الشخصي، وإضفاء المشروعية على النظام القائم والدفاع عنه. فضلًا عن أن الأيديولوجيا أصبحت نسقًا قابلًا للتغير استجابة للتغيرات الراهنة والمتوقعة، سواء أكانت على المستوى المحلي أم العالمي».” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان

https://ar.wikipedia.org/wiki/أيديولوجيا

2- https://ar.wikipedia.org/wiki/نقاش_عام

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/تكافؤ_النتائج

4- https://ar.wikipedia.org/wiki/اللامساواة_بين_الجنسين

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/منهج_تجريبي

6- https://www.nature.com/articles/nclimate1662

7- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0065260110420018?via%3Dihub

8- https://www.researchgate.net/publication/311651023_Value_Instantiations_The_Missing_Link_Between_Values_and_Behavior

9- https://psycnet.apa.org/doiLanding?doi=10.1037%2Fa0016683

10- https://ar.wikipedia.org/wiki/بيئوية

المصدر الرئيس

https://www.google.com/amp/s/theconversation.com/amp/why-society-needs-a-more-scientific-understanding-of-human-values-82537

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى