أقلام

إدارة الأسرة بين الفشل الذريع والكوميديا السوداء

إبراهيم الرمضان 

في عالم يتغنى بالتقصير ويتجاهل السعي للكمال، تعد إدارة الشؤون الأسرية مهمة شاقة من وجهة نظر بعض أرباب الأسر بشكل يتراوح بين الإهمال والتراخي، كما أن هناك من يتألق بأشد أشكال الحماقة الممكنة في إدارة شؤون أسرته بفضل سوء حظه الذي يبدو أنه يتجاوز كل التوقعات. وعندما حاول البعض منهم مناصحته تجده يتسلل من جنبات حياته الزوجية محاولًا تبرير إهماله الفاضح بالإشارة إلى الفتاوى الشرعية والروايات الدينية كوسيلة لتبرير عجزه عن إدارة شؤون أسرته، بدعوى بأن الكمال سيراه فقط في الجنة، وأنه لا يتحمل أي خطأ لأن الكون تآمر عليه!! تجده يقنعنا بأنه يجب علينا أن نفهم أن الخطأ موزع على نطاق الكون بأسره كون الكوارث الكونية عامة وليست خاصة وهو بذلك يعد أي قرار سيادي كبر أو صغر سببًا لتعاسته.

لا شك أن الكمال ليس متاحًا سوى في الجنة، ولكن يبدو أن البعض يسعون جاهدين لتحويل حياتهم الزوجية إلى جحيمٍ يومي، متحججين بأنهم غير ملزمين بالتوسعة على عيالهم وليس لهم الحق بغير ما يحاولون تدبيره بالحد الأدنى. وهكذا يعيشون في عالمهم المتحجر الذي يدور حول أنانيتهم وانشغالهم الدائم بأمورهم الشخصية.

المشكلة ليست فقط في التقصير، بل في الطريقة التي يُدار بها هذا التقصير أو حتى تبريره!! نجد بعض الأشخاص يحاولون التبرير له بأساليب مضحكة، فيحيلون المسؤولية إلى الأنظمة واللوائح وحتى الأحكام الشرعية، وكأنها تعفيهم من تدبير حياتهم الأسرية بشكل لا إرادي، إضافة إلى بعض التصرفات الذي تشعر من خلالها بأنه يستمتع بأن يجعل نمط حياته الأسرية أكثر غباءً وحمقًا، دون أن يدرك بأن هذه اللعبة ليست ممتعة بالنسبة لأفراد أسرته حيث يتجرعون الويلات ويدفعون عواقب ذلك، وتتحول بذلك حياتهم اليومية إلى عرض كوميدي مثير ليكون رب الأسرة هو البطل في مسرحية الحماقة الزوجية والبقية أبطال ثانويين.

وفي محاولة مبهرة لترقية نفسه من دور رب الأسرة العادي إلى بطل شعبي، قرر السيد النموذجي العودة إلى الوراء… حيث أعلن بفخر أنه سيُولد طفله القادم في المنزل، بواسطة “داية”! وسط استغراب من أفراد عائلته بأن هذه الوظيفة القديمة لا تزال موجودة في عصرنا الحديث كأنهم يشاهدون مسلسلًا تاريخيًا في حقبة العصر الجاهلي، في حين أن والدته كانت تصفق لأبنها وهي تقول (عفيه على وليديا عفيه)!!! ولم يكتفِ بهذا القرار الجريء فقط، بل روّج له بحجة الاقتصاد بسبب ارتفاع سعر البنزين، إضافة إلى المصاريف الأخرى التي يراها غير ضرورية كالتكاليف التي قد تحتاجها الأم والطفل بالمستشفى، إضافة إلى تكاليف عقيقة الطفل ومصاريف استقبال الضيوف وتوفير الضيافة لحشد من الأهل والأصدقاء للاحتفال بمناسبة الولادة مما قد يسبب له ضغطًا اجتماعيًا وتفضيله بحفظ الأمر بخصوصية!!! ويشعر في الوقت نفسه بالفخر بعد أن اكتشف بأنه سيستعيد أمجاد جدَّه، وجدَّ جده… إلخ! ولكن الأمور لم تسر كما خطط، فبعد تحميل الداية مهمة الولادة، تدهورت الأمور لتصل إلى مشكلة كبيرة! وتسجيل الطفل في الأحوال المدنية تحوّل إلى عرض كوميدي بدلًا من مجرد مسرحية سخيفة، حيث خافت السلطات من احتمال كون الطفل مخطوفًا وسط تلك الفوضى… ربما كانت فكرة العودة للزمن القديم أكثر حماقة مما كان يتصوّر! وتطور الوضع باعتقال الأب والتحقيق معه ولم يقتنعوا بأنه والد الطفل إلا بعد القيام بفحص الـDNA، ولحسن الحظ أن الحبل السري للطفل لم يتم التخلص منه ووجدوه في الثلاجة، ولم تتضح أسباب الاحتفاظ بالحبل السري، ربما لأن والدة الطفل توقعت حصول كارثة غبية، أو أن والدة رب الأسرة كانت تعتقد بأنه سيجلب الحظ السعيد للعائلة.

هذه القصة غيض من فيض، فقصة حياة بطلنا تصلح بأن تتطور من مجرد مسرحية بأن تكون مسلسلًا كوميديًا بنظام “شريحة من الحياة” بحيث يتضمن قصصًا منفصلةً إلى ما لا نهاية من الحلقات بسبب قرارات غريبة غير متناهية.

بعيدًا عن مشاكل إدارة الشؤون الأسرية، تتجلى بطولة رب الأسرة في مجال عمله بشكل مثير للدهشة والسخرية. فقد كان يعتقد بأنه يمتلك قدرة عجيبة على تحقيق النجاح في العمل دون أن يبذل جهدًا يذكر، فقرر أن يلجأ إلى طرق ملتوية لا تليق بموظف مسؤول لتسجيل حضوره اليومي في العمل إذ يدفع رشوة لأحد الموظفين مقابل تحضيره بأسلوب معقد لا يفهمه إلا ذوي الاختصاص وكأنه في دولة عميقة، في حين أنه فعليًا يتغيب عن العمل يوميًا دون عذر مقبول نظامًا أو بتفويض من الجهة العليا، على أن يستغل وقته الثمين في الصباح لإنجاز أعمال شخصية يراها في غاية الأهمية، مثل القيام بتوصيل المعلمات أو الطلبة إلى مدارسهم ذهابًا وإيابًا، معتقدًا أنه يقدم خدمة قيمة للمجتمع.

ولأن (من يلعب بالنار يحترق) طالما هو مستمر في تصرفاته حتى ظن بأنه سيُلقب بـ”ملك الشواء” لاعتقاده بأنه يشوي نفسه على النار الهادئة باقتدار، فإن تصرفات رب الأسرة الساذجة لم تمر مرور الكرام، فانكشفت حيلته السخيفة، وتم إصدار قرار فصله بأثر رجعي، إضافة إلى تحويل زميله إلى التحقيق للاشتباه بتورطه في هذه الشبكة المعقدة من الحماقة. ولكن لا تنتهي حماقات رب الأسرة عند هذا الحد حيث ينطبق عليه المثل (وجهه مغسول بصبة إسمنت) ليواصل تبرير ما فعل حيث قرر أن يعيد والدته الطاعنة في السن إلى الحياة، بينما هي متوفية منذ خمسة عشر عامًا، ليقنعهم بذلك بأنه يعيل والدته ويطالبهم بعدم قطع رزقه، مما يجعله مثالًا حيًا للغباء الفطري (تقول له ثور يقول احلبوه!!).

بينما هو في الواقع لا يقوم بإعالة أحد من أفراد أسرته من الأساس، لذلك فقد قررت زوجته بكل شجاعة أن تأخذ الأمور بيديها وتبدأ بإعالة أطفالها بنفسها، بالطبع، استغل رب الأسرة هذا الموقف بكل سرور، فلم يتردد في التفاوض على موضوع “تقديم الخدمات” حيث جاءت الصفقة: نصف راتبها مقابل أن تحمل هي مسؤولية إعالة الأسرة بأكملها! وإذا رفضت، فعليها أن تقبع في منزلها بعنوان أن الرجال قوامون على النساء!! يجب أن تتصور نفسها وكأنها فتاة تنتظر وصول الفارس (اللي اهو أنت يااااا رب الأسرة !!!) ليحملها على كتفه إلى عالمه الوردي.

تبدو حياة الأسرة المسكينة مثل مسرحية كوميدية سوداء بفضل ما يقوم به بطلهم!! مما يجعلنا نتساءل: إلى متى ستستمر هذه المسرحية الكوميدية لرب الأسرة الذي يبدو أن حظه لا يعرف النهاية. إذا مررنا بتلك المواقف، لا بد أن نعترف بأننا مقصرون، ولكن السؤال هو: هل يدعي أحد منا الوصول لدرجة الكمال في إدارة شؤونه الأسرية؟ بالطبع لا، لأننا نعلم تمامًا أن الكمال ليس متاحًا في عالم البشر. ولكن الحقيقة المرة هي أن الاعتراف بالخطأ هو خطوة ضرورية نحو الحل، فالحلول متاحة، ولكنها تتطلب شجاعة للنظر في المرآة واعتراف صريح بالتقصير (بس انتبه لا تكسرها، فالمقصر أنت وليس المرآة!!)، والعمل الجاد نحو تصحيح المسار قبل أن يصبح الوضع لا يُحتمل، وإلا في نهاية المطاف ستكون الحياة الزوجية ليست سوى مسرحية كوميدية سوداء بأبطالها ومشاكلها ومفارقاتها اليومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى