بشائر المجتمع

الشيخ آل سيف: مجريات كربلاء في خُطب النساء والإمام السجاد(ع)

بشائر: الدمام

شرع سماحة الشيخ فوزي آل سيف في بيان خطبتي فاطمة بنت الحسين وأخيها الإمام زين العابدين (ع)، اللتين كانتا بوابة الوعي الاجتماعي، والمحرك للضمائر باتجاه الثورة على الأمويين، ذاكراً ذلك في الليلة ١٦ من شهر محرم الحرام.

وأشار سماحته إلى فداحة الجريمة التي ارتكبت بحق الحسين (ع)، فالمقتلة لم تكن عادية، كانت استثنائية وبشعة، والمقتول لم يكن رجلاً عادياً، فقد كان استثنائيا في حسبه ونسبه ومقامه عند الله.

واستشهد سماحتة بالحديث المعروف عن أمير المؤمنين (ع): “تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت طي لسانه” نوه بأن لسان الإنسان ترجمان عقله، وهو أداة الوعظ ونقل العلم، فليس غريبا على الإمام السجاد وهو المعصوم أن ينطق بهذه الخطب الفصيحة البليغة، ولكن المثير للدهشة خطبة فاطمة بنت الحسين عليه السلام، فهي إضافة إلى حداثة سنها ليست معصومة، لكنها تكلمت بمنطق إنسان قد هضم العلم، بشكل عجيب وأدب رفيع.

وذكر سماحته أن كتب السير دونت خطب السيدة فاطمة (ع) وكانت مواجهة جادة لأهل الكوفة بقوة خطابها، منوهاً بذكر وقائع كربلاء في خطب أسرى كربلاء وهو أمر بالغ الأهمية لضمان بقائها وحتى لا تكون عرضة للنكران.

وأكمل قائلاً: “فهناك من علماء المدرسة الأخرى من ينكر إرسال السبايا في البلدان والمجالس، بينما خُطب زينب (ع) وباقي النساء تثبت أحداثا جرت في الطريق إلى الشام وفي ديوان يزيد، وبعضهم كصاحب كتاب منهاج السنة أنكر أن رأس الحسين حمِل في البلدان، لكن خطب زينب تثبت تلك القضية”.

وأضاف قائلاً: “فتجد السيدة فاطمة بنت الحسين بعدما شهدت بالألوهية لله، وبالنبوة لنبي الله، تؤكد على إمامة علي (ع)، فتقول عنه (ع): “المسلوب حقه” لتؤكد على ظلامة أبيها وجدها علي المقتول في بيت من بيوت الله تعالى بالكوفة، رغم أنها لم تعاصر الواقعة.

وبين سماحتة اختصاص أهل البيت بالذكر والعلم الإلهي، دون سائر الناس في قول فاطمة بنت الحسين: “أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل المكر والغدر والخيلاء، فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسنا وجعل علمه عندنا”، مُبينةً صفات أهل البيت (ع)، متطرقاً إلى قولها: “بفيك أيها القائل الكثكث والأثلب افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وطهرهم” هذه الكلمات الفصيحة والبليغة، التي لا يعرفها إلا المتبحرين من أمثال ابن عباس، مسترسلاً في بيان خطبتها (ع) في قولها: “فما ذَنْبُنا أَن جاشَ بحرُ ابن عَمِّكُمْ * وبحرُك ساجٍ لا يواري الدَّعامِصا”، يعني ما ذنبنا إذا كان الله قد أفاض علينا من فضله بمقدار البحار والمحيطات، بينما أنتم مقدار مائكم لايغطي دويبة صغيرة.

وأشاد سماحتة بهذة الخطبة التي قرعت قلوب أهل الكوفة، وأيقظت فيهم الوعي، فكان انبعاثهم سريعا بمجرد أن سمعوا هتاف سليمان بن صرد الخزاعي (يالثارات الحسين)، فالنفوس صارت مهيأة، والشعور بالذنب والإثم والخذلان أنضج الضمائر، فكانت ثورة التوابين وثورة المختار.

وأعقب سماحتة ببيان خطبة الإمام السجاد، وكان (ع) يفرغ عن الإمامة والرسالة والوحي، فعرّف عن نفسه، ثم قرعهم بما ارتكبوا في حق الإمام الحسين (ع)، وخداعهم له، حيث دعوهُ وقتلوهُ، منوهاً بقدرة الإمام السجاد ونجاحه في استثمار الناس، حيث ضجوا بالبكاء ولبوا نداءه، إلى أن قال (ع): “رحم الله امرأ قبل نصيحتي، وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله، وفي أهل بيته”، أي توجد لديكم فرصة لتلافي ما صدر منكم من تقصير في حق الحسين، هذا وهو (ع) غير مخدوعٍ بهم، فقد وصفهم بأنهم عبيد الدنيا وأسارى الشهوة والهوى، مشيراً إلى كذبهم في أقوالهم، وعدم صدقهم في أفعالهم، لأن أنفسهم محجوبة.

وتطرق سماحته إلى مرض الإمام السجاد (ع)، وأنه لو لم يكن معذورا بالمرض الذي أصيب به وهو مرض (الذرب) لما تخلف عن نصرة أبيه (ع)، مشيراً إلى قول آخر يعلل مرض الإمام بالجراحات التي أصابته بعد بروزه للقتال، معقبلاً سماحتة بأن هذا القول لا تعضده الشواهد التاريخية، وأن روايات أهل البيت أفادت بأنه (ع) كان مريضاً، لحكمة إلهية حتى يحفظ نسل أهل البيت، ولبقاء الإمامة.

ونوه سماحته إلى خطأين واهنين ذكرهما مؤرخون، الخطأ الأول أن أحد الكوفيين قد أخفى الإمام السجاد عنده، وأحضره إلى الكوفة، ثم سلمه إلى ابن زياد ليحصل على الجائزة، مؤكداً سماحتة على كذب هذه الفكرة، التي نقلها بعض محققو مدرسة الصحابة، فالإمام لم يفارق أهله ونساء أبيه إلا في فترة دفن والده الحسين (ع)، والقصد من هذه الكذبة إهانة الإمام، لأن قيمة الجائزة كانت مهينة، أما الخطأ الثاني فهو أنهم أرادوا قتله (ع) فقال بعض الحاضرين: إن هذا غلام صغير، والصغير لا يقتل، فأُمر أن يكشف عنه (ع) ليتأكد هل هو بالغ أم لا، مشدداً على إنها كلمات باطلة، لا أساس ولا صحة لها.

وأكد سماحتة أن أقل ما قيل في عمر الإمام السجاد بكربلاء أنه ٢٠ سنة، والبعض يقول ٢٤ سنة، وقيل ٢٦ سنة، منبهاً أنه كان متزوجاً وابنه الإمام الباقر (ع) كان حاضرا في كربلاء، فابن العشرين لا يشك في أمر بلوغه، لكن هذا من التشوش وتشويه التاريخ.

الجدير بالذكر أن مرض (الذرب) هو ما يسمى بِـ الجفاف في الطب الحديث، وهو أن المعدة لا تمسك شيئاً من الطعام، وما يأكله لا ينتفع به الجسم، ويكون ضعيفا ويخشى عليه من الموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى