أقلام

لا تشقى: مقارنات شبابية قاتلة (١)

أمير الصالح

قضى عدد كبير من الناس حول العالم، ولاسيما الشباب معظم ساعات الحظر الصحي المنزلي بالجلوس متسمرين أمام شاشات الحاسوب والقنوات التلفزيونية الفضائية ومشاهدة أفلام القنوات التجارية لقتل الإحساس بالفائض من الوقت لديهم، ومحاولة منهم لتجاوز الشعور بالملل. وقضى البعض جزء من وقتهم بعقد مقارنات بين وضعه الاستهلاكي ووضع من هم في المحيط، أو مقارنة سيارته بما يشاهده في القنوات الفضائية. وددت أن أتكاشف مع أبناء مجتمعاتنا من فئة الشباب ولا سيما شباب وطني ومجتمعي بحقائق يغفلونها عند محاولتهم محاكاة سلوكيات وأنماط الاستهلاك المُكلفة للبعض من أبناء الأثرياء أو المشاهير أو نجوم السوشل ميديا. وشخصياً أورد لكم بعض مارأيته من المقارنات القاتلة التي تخلق روح الشقاء داخل أنفس الضحايا، ولا سيما الشباب من أبناء الطبقة المتوسطة والأقل دخلاً مادياً. في صدر المقال، هناك جملة حقائق لابد من استحضارها والتأكيد على اتفاقنا عليها قبل الولوج في طرح كامل المقال. هناك حقيقة بأنه:

– يولد بعض من الناس وفي فمهم ملعقة من ذهب، أي أنهم يولدون في أُسر ثرية جداً.

– يولد بعض من الناس وهم موهوبون بالفطرة في مجال معين.

– يولد البعض بمسحة جمال جسدي أكثر من الآخرين.

– يولد البعض في دول غنية بحيث تكون فرص التعليم ودخول عالم الأعمال والشهرة والنجومية أكبر.

البعض ولتجنب الشعور بالنقص يقومون بمحاكاة أنماط الاستهلاك للأكثر ثراء بشكل قشري وسطحي، وقد يكون عقلياً مدعاة للشفقة. فهوس تقليد أنماط الاستهلاك المترفة تصل بالبعض حد الاقتراض من البنوك التجارية، أو الاقتراض من الأقارب والزملاء ليتجاوز أمور نفسية معينة يعيشها في نفسه. كل ذلك يتم منه بهدف حيازة نفس المركبة الفارهة الباهضة الثمن، أو يسعى البعض إلى شراء نفس العلامات التجارية للملابس والحقائب والأحذية والأثاث المنزلي التي يقتنيها عادة أهل الثراء أو نجوم الفن الغنائي الصاخب أو الرياضي. قبل عدة سنوات، أتذكر هوس أبناء أحد الأصدقاء بشخصية إيفان Evan وألعابه، وكذلك هوس الطفل ذاته بمسابقة Just 60 seconds. فشب ذلك الطفل على تغذية رغبات الاستهلاك المفرط، واعتاد ومايزال عقد المقارنات القاتلة وشغف حيازة كل التقليعات الجديدة في الاستهلاك. فأتعب أباه وأتعس نفسه.

من خلال تلك المقدمة أود أن نتصارح ونتحاور حواراً هادئاً وهادفاً بناء على ما يمكننا أن نتحكم أو نسيطر عليه بأنفسنا، وليس على ما لدى الآخرين ومحاكاتهم في الامتلاك والاستهلاك.

هناك حقيقة بأن هناك أشخاص ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب. ونلفت عناية الشباب المهوس بالآخرين أن لا تهدر عمرك في تقليد أنماط استهلاك أبناء الأثرياء لأنك إن لم تولد لأب ثري وسخي في العطاء في ذات الوقت، فليس من العدل أن تجلد نفسك ووالداك لأنهما ليسا أثرياء، أو أن تطالبهم بتوفير أشياء لا يطيقون تكاليفها.
إن الدخول في دوامة نزاع مع الوالدين وممارسة ضغوط عاطفية عليهما لشراء سيارة فارهة أو إرغامهما على تمويل مصاريف سهرات مقاهي ومطاعم مُكلفة بشكل يومي أو شبه يومي أمر يدعو للمراجعة والتوقف والمناقشة. أجب بصراحة على السؤال التالي: هل أنت مولود وفي فمك ملعقة من ذهب؟ وإن لم تكن كذلك، فلماذا الإصرار على المحاكاة في الإنفاق للمترفين؟ وإذا كنت مصراً على الإنفاق الزائد فاصنع أولاً من نفسك ثرياً ثم اكشخ بشواربك.

هناك أيضا حقيقة بأن هناك أشخاص ولدوا موهوبين، ولديهم ملكات مميزة وحميدة تعطيهم التفوق في أشياء معينة. فلا ضير بأن أبذل ونبذل الجهد في محاكاتهم في تلك الموهبة الحميدة ببذل الوقت والتدريب والتطوير والتعليم المستمر، وليس بالانشداه والتسمر والتعجب بما عندهم، ثم النظر للنفس والمحيط وجلد الذات. شخصياً أؤمن بأن صاحب الهمة العالية والعمل الجاد في مضمار معين يهزم صاحب الموهبة الكسول “ Hard work beats talents when talent does not work hard. ووجود عالم النت في مجال التعليم من بعد يتيح فرص أكبر للجادين لردم الفوهة أو تقليل فوارق الامتياز في هذا المضمار أو(ذاك الميدان ياحميدان)

وهناك حقيقة بأن الناس لا يختارون في أية مدينة يولدون، ولكنهم يستطيعون أن يقرروا أين يعيشون. فإن ولدت في مدينة مغمورة، فابذل الجهود المناسبة واكتسب المعارف المؤهلة وحينها يمكنك التغلب على بعض الفوارق.

تذكر: الآباء بالإجماع يعلمون أبناءهم ما نجحوا في إنجازه، ويرشدونهم في تجنب ما قد وقعوا فيه من تجارب خاسرة. بالمجمل الآباء المعدمون في الغالب لن يستطيعوا أن يعلموا أولادهم طريق الثراء. الأبناء الاذكياء يمكنهم أن ينجزوا أفضل من إنجازات الآباء بفضل العمل المثابر وجهودهم المستمرة والاستلهام من قصص الناجحين، وحسن توظيف القراءات البناءة واستغلال الوقت لما ينفع. فكن أنت الصانع لذلك النموذج، ولا تهدر كل الوقت في التسكع والتسمر أمام القنوات الفضائية أو قنوات مشاهدة مقاطع الفيديو والثرثرة في الواتس آب.

ختاماً أنصح نفسي ومن أحب الاستفادة أن نكون وإياكم وإياكن نواة تكوين الثراء لأنفسنا ولو بالسعي خطوات معدودة، لا أن نكون مقلدي أنماط الاستهلاك لأهل الثراء وعاقدي المقارنات البائسة. كثيرو الاستهلاك و معدمو الموارد صفة رءيسة لانبثاق شخوص النصابين وأهل العيارة والجمبزة داخل كل مجتمع إنساني. بالمختصر لا تشقي نفسك بنفسك، واترك المقارنات القاتلة واصنع نفسك بنفسك، وكن عصامياً وأنموذجاً يُحتذى به. وتعلم كيف تبني ذاتك بجهودك وتجيد تسويق مهاراتك لتكسب قوتك، وحين ذاك ستتذوق حلاوة أن تتملك الأشياء بكد يمينك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى