بشائر المجتمع

الشيخ آل سيف: الإمام السجاد صاحب النسب الشريف والعنصر العفيف

بشائر: الدمام

أشار سماحة الشيخ فوزي آل سيف إلى أن الفترة التي بقي فيها ركب الأسرى في دمشق كانت في اليوم الثاني من شهر صفر، سنة ٦١هـ إلى يوم الأحد ١١من شهر صفر في نفس السنة، أي تسعة أيام تقريباً، حيث يظهر من بعض التواريخ أن وصول ركب الإمام الحسين (ع) إلى دمشق، كان ضحى يوم الجمعة الثاني من صفر، وأن الركب عُطِّل على باب توما المعروف بباب الساعات الآن، ذكراً ذلك في اليوم ١٩ من شهر محرم.

ووضح إنه بعد تعطيل ركب الأسارى، تم السير بهم في شوارع دمشق إلى أن أُدخلوا على يزيد في قصره، وبعد أن خطبت العقيلة زينب أُمر بالركب أن يُجعل في دار خربة غير مهيأة لبقاء النساء والأطفال الذين بعد سفر طويل ومتعب،مبيناً المستفاد من بعض الروايات التاريخية أن اللقاء بين يزيد وبين ركب الحسين والأسارى كان أكثر من مرة.

وبين أن الحادثة التي خطبت فيها السيدة زينب (ع) خطبتها الشديدة، على أثر قرع يزيد رأس الشريف بعود الخيزران تختلف عن الحادثة التي خطب فيها الإمام السجاد (ع)، فقد كانت خطبة السيدة زينب في مجلس يزيد، بينما كانت خطبة الإمام السجاد في الجامع الأموي، كما يشير إلى ذلك كتاب كامل البهائي وهو من الكتب التي تعرضت لقضية كربلاء، قد يستشهدون لذلك بعض الشواهد بأن الخطبة تمت في الجامع الأموي الذي يعرف سابقاً بجامع دمشق، قطع المؤذن فيها كلام الإمام زين العابدين لأنه كان الوقت العادي للأذان، وبالتالي فإن المجلس والمحفل كان قبل ذلك، بينما اللقاء الأول كان بعد صلاة الجمعة، وهذا رأي يقدمه بعض الباحثين وهو أن الحدث لم يكن في يوم واحد فقط، وإنما كان في أكثر من لقاء، موضحاً على ذلك أيضاً أنه عندما فرغ الإمام من خطبته تفرق الناس، ونلاحظ هنا أن عامة الناس لا يحضرون إلى ديوان الحاكم، وإنما يحضرون إلى المسجد وإلى الجامع ضمن وضع طبيعي، حيث أراد يزيد أن يستعرض قوته في ذلك اليوم.

وفصّل أن هناك أكثر من مواجهة ومقابلة بين الإمام السجاد ومعه النساء من جهة وبين يزيد بن معاوية، وكان هناك مخاطبة بين الإمام وبين يزيد ثم بعد ذلك خطبة عامة، مستحضراً ما نقل على أن يزيد في ضمن خطابه للإمام وضمن منهج الجبر الأموي -الذي قلناه- قال: (الحمد لله الذي قتل أباك)،‪ ‬فالإمام رد بجواب إسكاتي قوي وقال: (لعنة الله على من قتل أبي)، فسكت يزيد غاضباً ثم تهدده بالقتل، وهذا الجواب كان أبلغ جواب من قِبل الإمام ليزيد، فكما نُقل أن بعض الحاضرين قالوا ليزيد: أنه إذا قتل علي بن الحسين فسيتورط بهؤلاء النسوة.

واستشهد سماحتة حواراً ليزيد والإمام (ع) حيث قال يزيد: (فبما كسبت أيديكم)، فقال الإمام: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) إلى آخر الآية، مسترسلاً في قوله (ع): (نحن القوم الذين لا نأسى على ما فاتنا ولا نفرح بما آتانا)، لافتاً أن يزيد استدعى بعض الخطباء وهذا من الشواهد أيضاً على تعدد الحدث، فأمر يزيد خطيباً من خطباء بني أمية أن يقوم ويمدحه وأباه ويشتم الحسين (ع) وأباه، وخطب خطبة تحدث فيها بشكل سيء عن أمير المؤمنين والإمام الحسين(ع)، متطرقاً إلى قول الإمام السجاد ليزيد: (إءذن لي أن أصعد هذه الأعواد فأقول كلاماً لله فيه رضا ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب)، مبيناً أن كلمة الأعواد في اللغة العربية تدل على المنبر، وهي المنابر الخشبية التي تصنع من الأعواد الخشبية.

وتابع أن الإمام يريد أن يشير إلى أن هذا المنبر ليس له قداسة بإعتبار أن أصله من أعواد الخشب، فمتى ما أصبح هذا المنبر منبر هداية ومصباح علم، فحينها يستحق الكرامة، وقد استأذن الإمام (ع) من يزيد حتى لا يصعد إلى المنبر فينزله يزيد قبل أن يبغ غايته، مشيراً إلى غاية الدقة والتدبير في فكر الإمام (ع)، حيث لم يكن استئذانه من يزيد بسبب صاحب ولاية شرعية.

واسترسل قائلاً: “عرف يزيد بأن الإمام (ع) من هذه الطينة الطيبة، ومن أهل بيتٍ زُقُّوا العلم زقاً وتتنزل عليهم العلوم والمعارف، فرفض أول الأمر ولم يسمح للإمام بأن يصعد المنبر، فحاول فيه الحاضرون، ولم يستطع أن يستمر بالرفض لأنه أصبح في حرج من الحاضرين وخصوصاً أن الحادثة كانت في الجامع، فقبل، وقال: (إن صعد هذا لا ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان)، ولعل الكلمة الصادقة الوحيدة التي خرجت من هذا الرجل هي هذه الكلمة، صعد الإمام زين العابدين عليه السلام وهو مريض قد نهكته العلة، فصعد (ع) المنبر، وبدأ بخطابه المعروف: (أيها الناس، أُعطينا ستاً وفُضِّلنا بسبع، أُعطينا العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبة، في قلوب المؤمنين، وفُضِّلنا بأن منَّا النبي المختار محمداً (ص) ومنَّا الصديق، ومنَّا الطيار، ومنَّا أسد الله، وأسد رسوله، ومنَّا سبطي هذه الأمة، أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي)هناك فن في الخطابة يسمى براعة الاستهلال، فقد كان الإمام بارعاً في ابتدائه واستهلاله بالخطبة”.

وذكر الأمور الموجودة عند الناس ببعض الدرجات ولكن الدرجة العليا تكون عند أهل البيت (ع)، موضحاً كلمة السماحة فهي ذات معنى واسع، كأن يقول إن هذا الشخص سمح ليس نكِداً ولا معقداً، وبمعنى سخي اليد والمعطاء، مؤكداً أن هذه الأمور موجودة عند سائر الناس إلا أنها موجودة عند أهل البيت (ع) بمستواها الأعلى، وهناك أمور اختص بها أهل البيت (ع)، ولا يشترك معهم سائر الناس فيها ابداً.

وشرح قوله (ع): (وفضِّلنا بسبع)، فقد فضِّلوا (ع) بأن منهم النبي المختار (ص) ولا تستطيع أي قبيلة أخرى غير قبيلة بني هاشم بأن تنسب النبي لهم، قال أيضاً: (ومنَّا الصدِّيق) وهذا له معنيان فالمعنى الأول؛ هي مكانة الإمام أمير المؤمنين، والمعنى الثاني هو أن هذا اللقب وهذا العنوان إنما في حقيقته خاصٌّ بأمير المؤمنين، وأن التسمية لغيره ليست كما ينبغ، فعندنا في نهج البلاغة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام: (أنا الصدِّيق الأكبر وأنا الفاروق الأعظم، لا يقولها بعدي أحد إلا كان كاذباً).

وتابع الإمام السجاد ويقول: (ومنَّا أسد الله وأسد رسوله ومنَّا سبطي هذه الأمة)، المقصود بأسد الله ورسوله في خطبة الإمام هو حمزة سيد الشهداء، وسبطا هذه الأمة هما الحسن والحسين (ع)، ذاكراً بعض المقالات بأن الإمام أكمل وقال: (ومنَّا مهديها) ويظهر بأن هذا التعبير غير موجود في النسخ القديمة مع أن المهدي (عج) هو مما اختص به الله بني هاشم، ولكن كأن الإمام يخاطب أولئك الجمع بما كان يسهل عليهم تعقله ولا يمكن لهم التشكيك فيه، مشيراً أن قضية الإمام المهدي (عج) في ذلك الوقت لم تكن مطروحة بشكل واضح، ولذلك لم يثبت بأخبار معتبرة أن الإمام قال هذه الكلمة وربما قد تكون من إضافات البعض، بعد ذلك قال (ع): (أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي)، مبيناً أن النسب هو تسلسل الآباء والأجداد، بينما الحسب فهو ما يرتبط بذلك من البنوة، كأعماله الصالحة أو أعمال ذريته الصالحة أو أهل بيته.

وأكمل خطبته (ع): (أيها الناس أنا ابن مكة ومنى، أنا بن زمزم والصفا)، فإذا قال البعض كما زعموا بأن هؤلاء خرجوا على أمير المؤمنين، فهنا يوضح لهم الإمام بأنهم من قلب منبع الدعوة من مكة ومنى، أي من مواقع المناسك ومركز الوحي، وبدأ بعد ذلك يذكر صفات جده المصطفى (ص) ويبين فيه ويقول: (أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الردى،….)، لافتاً أن كل جملة من هذه الجمل تشير إلى قضية من القضايا، بعضها عقائدية مثل قضية الإسراء والمعراج، وبعضها يشير إلى قضايا شرعية مثل قضية الزكاة وما يرتبط بها.

واعقب لقوله (ع) قائلاً : ” (أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا الله )، والمقصود بخراطيم الخلق هو أن النبي (ص) كسَّر أنوف الكفار حتى يشاد ويرفع علم لا إله إلا الله وراية الإسلام، وهذا تعبير عن شدة المجاهدة، وأكمل: (أنا ابن من بايع البيعتين وصلى القبلتين وقاتل في بدر وحنين)، فالبيعة الأولى: هي بيعة العقبة، والبيعة الثانية هي بيعة الشجرة، والمقصود بالقبلتين أيضاً هما بيت المقدس في فترة من الزمان والكعبة في طول الوقت، ويأتي في بعض النسخ إضافة على خطبة الإمام: (وهاجر الهجرتين)، وفُسِّرت بتفاسير عديدة بعضها يقول أن الهجرة الأولى هي الهجرة من مكة إلى المدينة برحل رسول الله والهجرة الثانية هي هجرة أمير المؤمنين فيما بعد من المدينة إلى الكوفة لكي يكون حاكماً عليها”.

وأضاف قائلاً: “البعض الآخر من التفاسير يشير إلى أن الهجرتين بالمعنيين وهي الهجرة الجغرافية من مكة إلى المدينة، والهجرة المعنوية بمعنى أن الإنسان يهاجر من حالته السابقة إلى حالة جديدة، فالنسبة إلى الأعراب مثلاً يهاجرون من بواديهم إلى المدينة وكذلك الإنسان المذنب يهاجر من الذنب إلى الطاعة، فالبعض يحتمل الهجرة الثانية على الهجرة المعنوية”.

وأخذ الإمام بوصف مفصل لأمير المؤمنين (ع): (ولم يكفر بالله طرفة عين، أنا ابن يعسوب المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين)، مكملاً: (سمح سخي بهلول زكي، ليث الحجاز وكبش العراق) إشارة إلى أنه سمح في وجهه وسخي في يده، موضحاً البهلول في اللغة العربية هو السيد الجامع للمواصفات الحسنة، والكبش أيضاً يعبر عن الشخص ذي الشأن الكبير والشجاعة والتقدم، فيقال كبش الكتيبة فلان وكبش البلد فلان، ليس بمعنى أنه خروف وإنما بموقعه بإعتباره أنه هو المتصدي للأمور والمتقدم فيها، ثم يكمل خطبته: ( مكي مدني أبطحي تهامي، خيفي عقبي، بدري أحدي، شجري مهاجري، أبو السبطين الحسن والحسين علي بن أبي طالب)، أي مكي في ولادته ومدني مع رسول الله في إقامته، والمقصود بخيفي أي منى وما فيها من مسجد الخيف والعقبة، وقد شهد غزوة بدر وأحد معاً.

ويصف أمير المؤمنين أيضاً بأنه شجري في بيعته أي بيعة الشجرة ومهاجري نسبة إلى الهجرة، وقد عرَّف نفسه بأنه ابن علي بن أبي طالب بعد تعريفه بأنه ابن رسول الله، واستمر كذلك إلى أن وصل إلى تعريف نفسه بأبيه الحسين، وتشير بعض الروايات إلى أنه بعد هذا المجلس تغير موقف يزيد وأعوانه تماماً، حيث بادر في التعجل على سفرهم.

واسترسل الإمام (ع) إلى أن قال: (أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيدة النساء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن بضعة الرسول فاطمة الزهراء عليها السلام) إلى أن قال: ( أنا ابن  المرمل بالدماء، أنا ابن ذبيح كربلاء، أنا ابن المقتول ظمأ، أنا ابن العطشان حتى قضى، أنا ابن من بكت عليه الجن في السماء والطير في الهواء)، ولم يزل يقول أنا أنا ….، حتى ضج المجلس ونادى يزيد بالمؤذن أن يؤذن فقطع على الإمام كلامه وقال: الله أكبر، فقال السجاد: (كبرت كبيراً، الله أكبر من أن يوصف) إلى أن قال المؤذن: أشهد ألا إله إلا الله، فقال: (شهد بذلك لحمي ودمي وعظمي)، فقال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال:(يا يزيد، محمد هذا جدي أم جدك، فإن قلت إنه جدك فقد كذبت وكفرت، وإن قلت إنه جدي فلم قتلت عترته وسبيت نساءه)، لافتاً إلى قول المنهال بن عمر في حال خروج الإمام من ذلك المحفل: (نظرت إلى زين العابدين وهو يمشي وإذا برجليه يسيل منها الدم،…).

يذكر أن قضية شتم أمير المؤمنين (ع) في الشام أمراً ليس جديداً، وذلك لأن في سنة معاوية من قبل عشرين عاماً سنها في بلاد الشام، لكن الأمر الجديد هو شتم الإمام الحسين (ع) ووصفه بأوصاف غير لائقة، فالإمام السجاد (ع) عندما سمع ذلك الكلام من الخاطب قال له: (ويلك أيها الخاطب، اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار )، وهذا الأمر ليس خاصاً بذلك الخطيب، وإنما كل خطيب يخالف رضا الله ويغير الحقائق من أجل رضا المخلوق.

الإمام المهدي (عج) في ذلك الوقت لم تكن مطروحة بشكل واضح، ولذلك لم يثبت بأخبار معتبرة أن الإمام قال هذه الكلمة وربما قد تكون من إضافات البعض، بعد ذلك قال (ع): (أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي)، مبيناً أن النسب هو تسلسل الآباء والأجداد، بينما الحسب فهو ما يرتبط بذلك من البنوة، كأعماله الصالحة أو أعمال ذريته الصالحة أو أهل بيته.

وأكمل خطبته (ع): (أيها الناس أنا ابن مكة ومنى، أنا بن زمزم والصفا)، فإذا قال البعض كما زعموا بأن هؤلاء خرجوا على أمير المؤمنين، فهنا يوضح لهم الإمام بأنهم من قلب منبع الدعوة من مكة ومنى، أي من مواقع المناسك ومركز الوحي، وبدأ بعد ذلك يذكر صفات جده المصطفى (ص) ويبين فيه ويقول: (أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الردى،….)، لافتاً أن كل جملة من هذه الجمل تشير إلى قضية من القضايا، بعضها عقائدية مثل قضية الإسراء والمعراج، وبعضها يشير إلى قضايا شرعية مثل قضية الزكاة وما يرتبط بها.

واعقب لقوله (ع) قائلاً : ” (أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا الله )، والمقصود بخراطيم الخلق هو أن النبي (ص) كسَّر أنوف الكفار حتى يشاد ويرفع علم لا إله إلا الله وراية الإسلام، وهذا تعبير عن شدة المجاهدة، وأكمل: (أنا ابن من بايع البيعتين وصلى القبلتين وقاتل في بدر وحنين)، فالبيعة الأولى: هي بيعة العقبة، والبيعة الثانية هي بيعة الشجرة، والمقصود بالقبلتين أيضاً هما بيت المقدس في فترة من الزمان والكعبة في طول الوقت، ويأتي في بعض النسخ إضافة على خطبة الإمام: (وهاجر الهجرتين)، وفُسِّرت بتفاسير عديدة بعضها يقول أن الهجرة الأولى هي الهجرة من مكة إلى المدينة برحل رسول الله والهجرة الثانية هي هجرة أمير المؤمنين فيما بعد من المدينة إلى الكوفة لكي يكون حاكماً عليها”.

وأضاف قائلاً: “البعض الآخر من التفاسير يشير إلى أن الهجرتين بالمعنيين وهي الهجرة الجغرافية من مكة إلى المدينة، والهجرة المعنوية بمعنى أن الإنسان يهاجر من حالته السابقة إلى حالة جديدة، فالنسبة إلى الأعراب مثلاً يهاجرون من بواديهم إلى المدينة وكذلك الإنسان المذنب يهاجر من الذنب إلى الطاعة، فالبعض يحتمل الهجرة الثانية على الهجرة المعنوية”.

وأخذ الإمام بوصف مفصل لأمير المؤمنين (ع): (ولم يكفر بالله طرفة عين، أنا ابن يعسوب المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين)، مكملاً: (سمح سخي بهلول زكي، ليث الحجاز وكبش العراق) إشارة إلى أنه سمح في وجهه وسخي في يده، موضحاً البهلول في اللغة العربية هو السيد الجامع للمواصفات الحسنة، والكبش أيضاً يعبر عن الشخص ذي الشأن الكبير والشجاعة والتقدم، فيقال كبش الكتيبة فلان وكبش البلد فلان، ليس بمعنى أنه خروف وإنما بموقعه بإعتباره أنه هو المتصدي للأمور والمتقدم فيها، ثم يكمل خطبته: ( مكي مدني أبطحي تهامي، خيفي عقبي، بدري أحدي، شجري مهاجري، أبو السبطين الحسن والحسين علي بن أبي طالب)، أي مكي في ولادته ومدني مع رسول الله في إقامته، والمقصود بخيفي أي منى وما فيها من مسجد الخيف والعقبة، وقد شهد غزوة بدر وأحد معاً.

ويصف أمير المؤمنين أيضاً بأنه شجري في بيعته أي بيعة الشجرة ومهاجري نسبة إلى الهجرة، وقد عرَّف نفسه بأنه ابن علي بن أبي طالب بعد تعريفه بأنه ابن رسول الله، واستمر كذلك إلى أن وصل إلى تعريف نفسه بأبيه الحسين، وتشير بعض الروايات إلى أنه بعد هذا المجلس تغير موقف يزيد وأعوانه تماماً، حيث بادر في التعجل على سفرهم.

واسترسل الإمام (ع) إلى أن قال: (أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيدة النساء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن بضعة الرسول فاطمة الزهراء عليها السلام) إلى أن قال: ( أنا ابن  المرمل بالدماء، أنا ابن ذبيح كربلاء، أنا ابن المقتول ظمأ، أنا ابن العطشان حتى قضى، أنا ابن من بكت عليه الجن في السماء والطير في الهواء)، ولم يزل يقول أنا أنا ….، حتى ضج المجلس ونادى يزيد بالمؤذن أن يؤذن فقطع على الإمام كلامه وقال: الله أكبر، فقال السجاد: (كبرت كبيراً، الله أكبر من أن يوصف) إلى أن قال المؤذن: أشهد ألا إله إلا الله، فقال: (شهد بذلك لحمي ودمي وعظمي)، فقال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال:(يا يزيد، محمد هذا جدي أم جدك، فإن قلت إنه جدك فقد كذبت وكفرت، وإن قلت إنه جدي فلم قتلت عترته وسبيت نساءه)، لافتاً إلى قول المنهال بن عمر في حال خروج الإمام من ذلك المحفل: (نظرت إلى زين العابدين وهو يمشي وإذا برجليه يسيل منها الدم،…).

يذكر أن قضية شتم أمير المؤمنين (ع) في الشام أمراً ليس جديداً، وذلك لأن في سنة معاوية من قبل عشرين عاماً سنها في بلاد الشام، لكن الأمر الجديد هو شتم الإمام الحسين (ع) ووصفه بأوصاف غير لائقة، فالإمام السجاد (ع) عندما سمع ذلك الكلام من الخاطب قال له: (ويلك أيها الخاطب، اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار )، وهذا الأمر ليس خاصاً بذلك الخطيب، وإنما كل خطيب يخالف رضا الله ويغير الحقائق من أجل رضا المخلوق.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى