أقلام

الغربة الاجتماعية اختيارية أم قسرية؟

عبد الرسول البحراني

الغربة الاجتماعية أو التباعد الاجتماعي مصطلح لم نكن نسمع به أو نعرفه قبل بضع سنين لا تتجاوز عشر السنوات قبل الآن.
وربما مرض كورونا عمق هذه الظاهرة بسبب الإجراءات الاحترازية من تفشي هذا الوباء – أجارنا الله وإياكم منه – في ظل هذا الظرف العصيب وظروف أخرى، نشأ بيننا جيل يعيش هذه الغربة الاجتماعية بشكل ملحوظ ،فتجد الشاب بعمر العشرين أو أقل أو حتى أكثر قليلاً يعيش هذه الغربة حتى في محيطه الأقرب بين أقاربه. تجده منعزل تماماً عن أقرانه وعن أقربائه وأحاط نفسه بغلاف من العلاقات غير الحية والمباشرة، فالفضاء الإلكتروني هو ما يحيط به ويمارس من خلاله حياته ونشاطه اليومي. حتى أصبحت حياته تدار ويتدبر أموره من خلال هذا الفضاء، فلو انقطع هذا التواصل لا يعرف هذا الشاب كيف سيقضي أوقاته وأيامه وربما يدخل في حالة نفسية صعبة جراء هذا الانعزال عن العالم الحقيقي والواقعي. فلا أقرباء ولا أصدقاء ولا علاقات اجتماعية عميقة أو حتى عابرة.
لو لاحظنا حياتنا قبل عقدين أو ثلاثة من الزمن لوجدناها مختلفة تماماً عما نعيشه حالياً، وساهمت بشكل كبير في نسج علاقاتنا وتمتينها.
كانت حياتنا صاخبة اجتماعياً تعج وتموج بالعلاقات الفردية والجماعية، وتجد الطفل بعمر عشر السنوات معروف في حيه، ومن هو أبوه؟ ومن هي أمه، وإخوته، وأخواته، وكل أفراد عائلته، فننسب الولد لأهله بكل سهولة ولو ضاع طفل في الحي سيتعرف عليه وعلى أهله بيسر وسهولة.
وذلك يرجع في الأساس لطريقة معيشتنا المختلفة عن حياتنا الآن.
بعض الإجابات عن الأسئلة التي سأطرحها ستبين الفارق الكبير بين الحياة قبل الطفرة الإلكترونية وبعدها ومدى تأثيرها في تغيير سلوكنا وعاداتنا وأثره على حياة أبنائنا.
هل تجد الآن من يلعب الكرة في الأزقة والسكك كما السابق؟
هل تجد الآن من يتبادل أطباق الأكل بين الجيران؟
هل تجد التزاور بشكل دوري بين الأهل؟
هل تجد الأطفال والشباب يتواجدون في المجالس مع آبائهم؟
هل تجد الشاب يباشر الضيف في مجلسهم بالشاي والقهوة والضيافة؟
هل تجد الأب يصحب أبناءه في اجتماعاتهم العائلية؟
هل تجد الجار يزور جاره أو حتى يعرفه ويعرف أولاده؟
هل تجد الأب يعود ابنه على الذهاب للمسجد أو الحسينية؟
هل كانت لدى أطفالنا ما يلهون به في غرفهم بمعزل عن أقرانهم؟
كانت ألعابنا معظمها جماعية ( زقيع – قب – كرة قدم – كرة طائرة ) أغلب ألعابنا جماعية في ذلك الوقت مما ساهم في نشوء جيل اجتماعي له نسيج جيد من العلاقات استمرت لعقود منذ ذلك الوقت.
الآن وبكل أسف يمر الشاب بجانب ابن عمه ولا يقول له مرحباً لأنه لا يعرفه، وربما يجتمعان في دائرة حكومية ويجلسان بجانب بعضهما ولا يعرفان بعضهما إلا من خلال النداء عليهما بأسمائهما.
لدينا جيل الآن منعزل تماماً عن محيطه الخارجي وعالمه الذي لا يتجاوز باب غرفته وأجهزته الإلكترونية.
ماذا لو تعطلت الإنترنت لأسبوع كيف سيقضي هذا الشاب يومه ؟!

نعود للسؤال في رأس هذه السطور هل هذه غربة اختيارية أم قسرية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى