أقلام

دراسة تثبت أن ظاهرة (تأثير المتفرجين) ليست مقصورةً على البشر

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

ليس من المرجح أن يساعد الفأر رفيقًا له محبوسًا لو كان متواجدًا مع غيره من الفئران التي لا تساعد، وفقًا لبحث جديد من جامعة شيكاغو الذي أثبت أن نطرية ‘تأثير المتفرج’ النفسية الاجتماعية (1) لدى البشر هي موجودة أيضًا في القوارض طويلة الذيل هذه.

الدراسة (2)، التي نشرت تحت عنوان ‘تأثير المتفرج في الفئران’،  أثبتت أيضًا أنه في وجود فئران أخرى قد تقوم بالمساعدة، فستكون هذه الفئران أكثر احتمالًا، وليست أقل احتمالًا، أن تقوم بالمساعدة أيضًا. سواء أكانت المساعدة ميسرة [في وجود آخري تقوم بالمساعدة ] أو مثبطة [في وجود فئران لا تقوم بالمساعدة] يعتمد ذلك على الظروف وليس على المزاج الشخصي أو الأخلاقيات، وهي نتائج  لها آثار على المجتمع البشري.

البحث المنشور في عدد 8 يوليو 2020 من مجلة تطورات العلوم Science Advances  استند على البحوث السابقة بشأن تعاطف الفئران . في عام 2011، الدكتورة بيغي ماسون Peggy Mason  برفسورة علم الأعصاب وكبيرة مؤلفي الدراسة، وفريقها البحثي من جامعة شيكاغو uchicago وجدوا أن الفئران باستمرار كانت تحرر رفاقها المحبوسة، حتى أنها تقوم بحفظ  قليل من الشوكولاته لها، وكان هذا السلوك مدفوع بتعاطف الفأر. دراسة لاحقة أثبتت أن الفئران المعالجة بدواء مضاد للقلق كانت أقل احتمالًا في تحرير قرينها المحبوس لأنها لا تشعر بالقلق الذي يعاني منه. في دراسة أخرى، وجد الباحثون أن الفئران فقط تقوم بتحرير سلالات الفئران التي كانت لديها ألفة  / تجربة اجتماعية سابقة معها.

تعود جذور ظاهرة تأثير المتفرج الكلاسيكي إلى عام 1964، عندما قُتلت كاترين “كيتي” جينوفيز [كيتي هو الاسم المختصر لها] Catherine ‘Kitty’ Genovese في حي سكني مزدحم في كوينز، مدينة نيويورك. وذكر تقرير نشر في صحيفة نيويورك تايمز أن 38 من المارة شاهدوا الجريمة لكنهم لم يتدخلوا. على الرغم من أن هذه القصة ثبت لاحقًا أنها غير دقيقة، فقد ألهمت باحثين في علم النفس هما بيب لاتاني  Bibb Latané وجون دارلي John Darley لدراسة سبب اخفاق العديد من هؤلاء المتفرجين في المساعدة.

أجرى الباحثان اختبارات على مشاركين من البشر مرة بمفردهم (بدون حضور أشخاص حولهم) ومرة أخرى بحضور جماعة من المتفرجين – الأشخاص المشاركون الذين كانوا جزءًا من فريق البحث استلموا تعليمات بعدم التدخل والمساعدة – وهم يواجهون مجموعة متنوعة من السيناريوهات التجريبية مع شخص (يمثل المشهد) وهو في مأزق. لاحظ لاتاني Latané ودارلي Darley باستمرار أن المشاركين في التجربة أقل احتمالًا للقيام  بالمساعدة في وجود مجموعة من متفرجين ممن لا يساعدون مما كان المشاركون عليه عند اختبارهم بمفردهم. هذه الظاهرة، التي يشار إليها بظاهرة ‘تأثير المتفرج’، أصبحت الآن ركيزة من ركائز علم النفس، ومدرجة في كل كتاب دراسي تمهيدي وفي كل صف دراسي. يُعتقد أن آلية تأثير المتفرج الكلاسيكي هي توزيع / تشر المسؤولية (2) حيث يعلل الناس ذلك بأنهم لا يحتاجون إلى التدخل والمساعدة لأن الآخرين في المجموعة سيقومون بما يلزم.

المؤلف الأول جون هاڤليك  Havlik كان طالبًا جامعيًا في جامعة شيكاغو في مختبر مانسون  Mason، عندما أُثير موضوع تأثير المتفرج خلال اجتماع من اجتماعات المختبر.

“طلابي كانوا يلحون على لإجراء هذه التجربة منذ سنوات”. “ولكن لم نبدأ في التجربة حتى التحق بنا جون ولم يترك الفكرة حتى جعلنا نأخذ بزمام المبادرة.”

هاڤليك، وهو الآن طالب في كلية الطب بجامعة ييل ، قاد تجارب لدراسة ما إذا كانت الفئران، والتي تفتقر إلى مهارات التفكير المنطقي (التفكير النقدي، 3 ، 4) المعقدة، من شأنها أن تُظهر تأثير المتفرج الكلاسيكي.

استخدم فريق البحث نموذج الفأر المحبوس مع فئران مجعولة في تكنلات بحقنها بدواء مضاد للقلق جعلها غير مبالية بمأزق يمر به فأر آخر، مما يضمن أنها لن تقوم بالمساعدة. وجد الفريق أن الفئران التي تم اختبارها في وجود تكتلات من فئران أخرى كانت أقل احتمالًا للمساعدة من تلك التي اختبرت بمفردها – وهذا هو تأثير المتفرج في الفئران. وبالتعمق أكثر، رأى الفريق أن وجود فئران أخرى منعت تعزيز مساعدة تلك التي تمر بمأزق.

“الأمر يكون أسوأ حين يكون لديك جمهور غير مستجيب (لا يساعد) من أن تكون لوحدك”، كما تقول ماسون. “الفئران حاولت المساعدة، لكن المساعدة  لم تكن مجزية لها لأن الفئران الأخرى يبدو أنها كانت غير مبالية. الأمر يبدو كما لو أن الفأر كان يقول لنفسه، “بالأمس قدمت مساعدة ولكن لم يهتم أحد. لن أفعل ذلك مرة أخرى.”

أرادت ماسون وفريقها بعد ذلك معرفة كيف أثر وجود الفئران غير المعالجة بدواء مضاد للقلق على سلوك المساعدة. وعلى عكس ما تنبأت به ظاهرة تأثير المتفرج، كان من المرجح  أن يقوم الفأران والثلاثة في الواقع بالمساعدة بشكل  أكثر من الفئران المنفردة.

“في البداية، اعتقدت أن التجربة قد فشلت”، كما قال هاڤليك،  “ولكن بعد إجراء المزيد من البحث في الدراسات التي أجريت على البشر، أدركنا أن السلوك يماثل بالفعل سلوك الناس أيضًا”.

في بحث نُشر العام الماضي، كشف تحليل لمقاطع فيديو الكاميرات المستخدمة للمراقبة أن مجموعات من المارة / المتفرجين  ساعدت في أكثر من 90٪ من المواجهات العنيفة.

إن سبب رؤيتنا لأنماط المساعدة هذه هي أعمق من الدروس التي تعلمناها في رياض الأطفال عن كوننا لطيفين مع بعضنا البعض. كما قالت المؤلفة الأولى المشاركة في الدراسة الدكتورة مورا جاكوبي Maura Jacob، خريجة عام 2020 من كلية بريتزكر Pritzker للطب بجامعة شيكاغو ،  “هذه ظاهرة لا تقتصر على البشر.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى