أقلام

حوارية (٦٨) لماذا تعظمون المراجع مثل السيد محمد الحكيم قدس أنموذجاً

زاهر العبدالله

السائل: أخي الكريم لماذا تعظمون المراجع

أولاً: عندنا عدم إقامة العزاء ومجلس الفاتحة لأن المرجعية أمرت بذلك لوجود الوباء، فهل نظرت أنها لم تلتزم بما تدعو الناس إليه.
ثانياً: كيف تصف المرجع الديني بنائب الأمام..
ثالثا: أثبت ذلك أن تستطيع واعتبرني ضال.

الجواب بسمه تعالى:
أولاً: لم أفهم سؤالك من أنتم حين تقول عندنا عدم إقامة العزاء ومجلس الفاتحة.
لأن الأصل في الأشياء الإباحة مالم يأتي نص قرآني أو نبوي يصرح بخلاف ذلك،
أما التجمعات التي لا تراعي الاحترازات الصحية، وأيدت المرجعية رأي القطاع الصحي في أمرها للحد من الوباء والحفاظ على سلامة الناس فهي مشروطة أخي الكريم.
فلو افترضنا أن الكل أخذ اللقاحات ثم تجمعوا فهل هناك مانع؟ ثم لو فرضنا أن هناك أناس لا تلتزم بالاحترازات فما ذنب المرجعية في عدم التزام الناس بأقوالها؟ فوظيفتها الشرعية توجيه الناس أبوياً والناس بخيارهم يختارون ما يريدون.
ثم ألا ترى أن الله سبحانه يُحرم الغيبة، والنميمة، والكذب، والنظرة المحرمة. ورغم هذا تجد كثيراً من الناس لا يلتزم بتلك النواهي، فهل نعاتب الله سبحانه في أن العباد خالفوا نهيه؟ فهل هذا منطق يحتج به؟

ثانياً : كيف تصف المرجع الديني بنائب الأمام؟
الجواب : استفدنا هذا المعنى من أقوال الإمام الحجة عليه السلام حينما قال في كتاب (إكمال الدين وإتمام النعمة) عن محمد بن محمد بن عصام عن محمد بن يعقوب، عن إسحاق بن يعقوب قال:
سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام): أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك – إلى أن قال: – وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله)(١)
وراة الحديث أجلى مصداق لهم هم الفقهاء العلماء وأقربهم المراجع العظام الذين بذلوا غاية الوسع في العلم والتعلم منذو نعومة اظفارهم فلم يلعبوا ولم يتمتعوا ولم يلتذوا بنعيم الدنيا الفانية مِثْلنا بل أثروا العلم على العيش الرغيد والزهد والصبر على الجوع على الركون للراحة في متع الحياة وسهر الليالي في البحث والتحقيق على الكسل والركون للنوم وتورعوا عن الحرام كبيره وصغيره حتى شهد لهم القاصي والداني بالفضل والرفعة، والبعد عن الدنيا كما نص الإمام الحجة عليه السلام (.. فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه.. )(٢)
وإن كان هذا الحديث ضعيف من حيث السند، إلا أنه صادق الدلالة، ويبين الحديث الأول ويشرح محتواه، وهو أن العلماء هم حجة في زمن الغيبة على الناس ليأخذوا معالم دينهم. وهذا مطلب ينسجم مع سيرة العقلاء في رجوع غير المختص إلى المختص، وبذلك يكون هو نائب الإمام الحجة عليه السلام في غيبة الإمام لأنه دليل ومرشد للناس على حلال الله وحرامه، ومستحبة ومكروه ومباحه.
فالنيابة العامة هنا أمر طبيعي لأنهم أهل التخصص في العلوم الشرعية، والعاقل من يرجع في أي شان في الحياة إلى أهل الاختصاص، ولا يذهب حيث يريد بهواه. إن شاء الله تعالى أجبتك والسلام وأشكر لطفك على السؤال.

السائل: أخي الكريم
الرواية المنسوبة للأمام عن طريق الحجة المعصوم، التي بدايتها وأما الحوادث الواقعة …..
لماذا تبتر الرواية ولا تكملها فيها دلالة واضحة على أن رواة الحديث ليس المراجع المجتهدين …راجع الرواية كامله لطفا وليس أمراً.. وشكرا لردودكم

الجواب:
عجيب! كنت تسأل وتريد تفهم! والآن تقول لماذا تبتر الرواية، وأن المراد ليس هم المجتهدين؟! ورغم ذلك نحن بخدمتكم. سأرسل أدلتي على كلامي بالمصادر مثل كتاب بحار الأنوار (باب مواعظ القائم عليه السلام وحكمه)
مما كتبه عليه السلام جوابا لإسحاق بن يعقوب إلى العمري – رحمه الله – أما ظهور الفرج فإنه إلى الله وكذب الوقاتون، وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله… ألتفت هنا ـ
هذا الجزء من كلامه -أرواحنا فداه- عام لكل زمان ومكان إن كانت عندك دراية في علم الحديث، حيث إن الإمام يعطي إطلاقاً عاماً قبل أن يجيب على السؤال، ثم يعطي التشخيص لسؤال السائل. وهذا الأسلوب له شبيه في القرآن الكريم في قصة نبي الله يوسف عليه السلام حين سأله السجينان عن تأويل رؤياهما في أن أحدهما يعصر خمراً والآخر تأكل الطير من رأسه، فلم يجبهما مباشرة وإنما أعطاهما قواعد التوحيد لكي يلفت انتباههما أن ما سيقوله هو فيض من الله سبحانه، ثم أوّل رؤياهما. كذلك مولانا صاحب العصر والزمان عليه السلام فمنهجه وأسلوبه قرآني، فهو يعطي القاعدة في التعامل مع الحوادث الواقعة في الحياة، ثم يبين الحكم الشرعي المشخص في الخارج.
تعال نكمل الحديث بعد أن أعطى القاعدة العامة وهي: أما في الحوادث الواقعة بمعنى أي حادث جديد من شبهة أو لبس أو قضية في غيابي ارجعوا إلى المختصين الذين تعلموا علومنا، ووعوا أحكامنا، وعرفوا قواعد كلامنا، ثم فرّعوا فيها حسب مقتضيات الحال والزمان، ثم بلّغوا الناس بأمانة وحرص وتقوى وخوف من أن يفتوا بغير علم، لكيلا يدخلون نار جهنم التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

السائل: لحظة! قبل أن تكمل من كلفهم بتعليم الناس هل يوجد نص يحث العلماء على تعليم الناس؟

الجواب: نعم يا أخي فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم {وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ(١١)} التوبة. الآية توجب كفائياً التفقه في الدين للتصدي لأجوبة المؤمنين في مسائلهم، لأن الله سبحانه خصهم بدرجات من العلم. وهنا يعلق الشيخ محمد العبد الله على تساؤل السائل
فيقول: هنا أنقل لك ما في تفسير الميزان في
قوله تعالى: «يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ‌» لا ريب في أن لازم رفعه تعالی درجة عبد من عباده مزيد قربه منه تعالی، و هذا قرينة عقلية علی أن المراد بهؤلاء الذين أوتوا العلم العلماء من المؤمنين، فتدل الآية علی انقسام المؤمنين إلی طائفتين:
‏مؤمن ومؤمن عالم، والمؤمن العالم أفضل، وقد قال تعالی: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ(٩)} الزمر. ويتبين بذلك أن ما ذكر من رفع الدرجات في الآية مخصوص بالذين أوتوا العلم. و يبقی لسائر المؤمنين من الرفع درجة واحدة ويكون التقدير: يرفع الله الذين آمنوا منكم درجة ويرفع الذين أوتوا العلم منكم درجات. وفي الآية من تعظيم أمر العلماء ورفع قدرهم مما لا يخفی على كل عاقل. أنتهى.
وكذلك الروايات تحث على ذلك أيضاً، فقد روي عن عيون أخبار الرضا (ع): ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن الهروي
قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: رحم الله عبد أحيا أمرنا فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا .. )(٣)
ملخص الكلام : للشيخ حسين الحاجي في تساؤل السائل
يقول: فالذي يتعامل مع الروايات يفقهها ويسبر غورها سنداً ومتناً ودلالةً هم الفقهاء المختصون أولو العلم والنظر، وليس غير المختص..
ثم إن الرواية لاتُفهم بمعزل عن سائر الروايات الأخرى ذات الصلة، بل لابد من ضم الروايات بعضها إلى بعض وإرجاع متشابهها إلى محكمها، والمطلق منها إلى المقيد، والعام إلى الخاص. وهذه هي وظيفة ومهمة الفقهاء الذين أفنوا أعمارهم الشريفة في البحث والتحقيق والاستتباط. انتهى
نعود لتكملة تحليل الحديث (..وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكل فإنما يأكل النيران… ) (٤) . هنا بدأ يشخص السؤال ويجيب على محتواه المراد ..
ولكيلا أفرع في توضيح الواضحات لجنابكم الكريم. إن كل حديث مطلق جاءنا نبحث: هل له مقيد، أو له شاهد آخر يبينه، أو ماهي الظروف المحيطة به، وهذ الفن له اختصاص، وهذا لا يفك رموزه إلا المختصون من العلماء المحققين المتبحرين في دارية الحديث. وأقرب الناس لهذا المقام هم مراجع الدين لتفرغهم الكامل لهذا العلم، هذا واحد من الأحاديث… التي تحتاج لمزيد بحث وتفصيل.

السائل:
ثالثا: أثبت ذلك أن تستطيع واعتبرني ظال.

الجواب:
حاشاك من ذلك أخي الكريم، وإنما نحن في صدد تذكير بعضنا لبعض. فما يغيب عني تدلني عليه، وكذا العكس، ولكن في حدود الاختصاص والعلم المدروس الممنهج، وأرجو الله سبحانه أني قد أفدتك في ذلك والحمد لله رب العالمين.

السائل:
شكر الله سعيك .. وشكرا لردودكم
الجواب:
الشكر لله سبحانه أخي الكريم وأشكر حسن ظنك والسلام عليكم ورحمة الله.

..
المصادر
(١) وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي – ج ٢٧ – الصفحة ١٤٠.
(٢) وسائل الشيعة (آل البيت) – الحر العاملي – ج ٢٧ – الصفحة ١٣١.
(٣) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٢ – الصفحة ٣٠ .
(٤) بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٧٥ – الصفحة ٣٨٠ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى