أقلام

التوحيد على لسان الزهراء عليها السلام

زاهر العبدالله

مقدمة:
التوحيد من أهم مفردات الإسلام ومرتكزاته، لأنه قلب العقيدة الإيمانية بالواحد القهّار الأحد الفرد الصمد، حيث أخذت معاني التوحيد الحيّز الأوسع في كلام أهل البيت عليهم السلام، بدءاً من نبي الرحمة النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم العترة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فكان لسيدة نساء العالمين الزهراء البتول نصيب في بيان عمق التوحيد من عدة زوايا تناولتها في خطبتها الفدكية، بعد ذلك نثرت دررها في بيان جمال النبوة وأثرها في رفع الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ثم بيان الاتصال الخاص والنبع الصافي لتعاليم السماء وهي الإمامه الطاهرة وجوانب الكمال فيها وأنها الوحيده فقط المؤهلة للقبض والبسط في بيان حلال الله وحرامه، ثم عرّجت في خواتيم الإيمان لنيل الثواب والعقاب وهو المعاد يوم القيامة حيث يكرم المرء فيه أو يهان.

بعد أن تجلت في صبرها الإعجازي -روحي لها الفداء – بما جرى عليها من ألم المصاب، ذكرت مفردات في توحيد الله يحار لها العقل ويتوقف عنها كل بيان وينقطع معها كل جنان، فالغوص في أغوار كلماتها عليها السلام وما تحمله من أسرار و معاني غزيرة لا يحتملها إلا قلب مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
ولذا جهد أعلامنا الأبرار في بيان مقاماتهم عليهم السلام، فيتناولون خطابهم بعين البصيرة لأن أهل البيت عليهم السلام تميّزوا بجوامع الكلم، فإذا وقفت على سيرة الصدقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام تجلّت عندك بعمق معرفتها بالله سبحانه.

خُذ مثلاً ‏في خطبتها الفدكية حينما قالت: (.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في الفكرة معقولها، الممتنع من الابصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كونها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً على طاعته، وإظهارا لقدرته، وتعبداً لبريته، وإعزازاً لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، زيادة لعباده عن نقمته وحياشة منه إلى جنته…)(١)
فينكشف للباحث والمتأمل والعابد والعالم عمق هذه الكلمات وما تحمله من دلالات يهتز لها كُل جنان، ويمكننا أن نجملها فيما يلي:

١- كمال الانقطاع والانقياد والأمتثال لقضاء الله وقدره والشهادة له بالوحدانية.

‏٢- إن الله واحد أحد لاشريك له في سلطانه ولا سبيل للأهوام عن إدراك عظمته ولا طريق للعقول لكيفية كينونته، فيصل الإنسان بعد هذه المعرفة أنه أعجز خلق الله بان يقف أمام عز قدسه وعظمته.

٣- الصديقه الطاهرة عليها السلام كشفت لنا المعنى الدقيق لجوهر التوحيد وأظهرت بعض معالمه.

٤- الغنى المطلق الذي لا فقر فيه للحق سبحانه عن خلقه. وكيف أنه ابتدع خلقه من العدم إذا لا صورة متوهّمه قبل ذلك، ولا تخطيط مرتب فابتداء خلقه وإبداعه ولا يوجد قبل ولا أثناء ولا بعد شيء مثله.

٤-دفعت توهم الحاجة عن الحق سبحانه التي أودعها في خلقه، وإن غاية خلقه هو إتمام لأمره وإعانة، وطريق مهّده ليعرفوه لطفاً منه وكرماً على خلقه وعزيمة منه على إمضاء حكمه، فتنكشف في قلب المؤمن بذلك حجب النور ليصل إلى معدن العظمة وتتعلق روحه بعز قدسه.

٥- كشفت بكلماتها النورانية حجب النور فوصلت بعلمها إلى حد قاب قوسين أو أدنى من معدن العظمة فالشاهد والغائب في جميع العوالم عندها سواء؛ فلا ترى شيئا يخلو منه فضل الله وإحاطته وهيمنته وسلطانه، لأنه أهل بأن يُعبد دون سواه، فتفضل على الخلق بالوجود بعد أن كانوا عدماً.

نكتفي بهذا القدر وإلا فسيرة القديسة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام التي فُطمت الخلائق في إدراك كنه معرفتها.
وقد أقرّ العلماء والعرفاء أنها مظهر لتجلي جمال الله وجلاله، وأنها محط رضاه وسخطه وأمره ونهيه ومنتهى لطفه وفيضه على الوجود بأسره.

وهنا يتلجلج لساني وينقطع بياني في الغوص أكثر من ذلك لعجزي عن تقديم شيء يليق بعظمتها.
فالسلام عليك ياسيدة نساء العالمين ورحمة الله وبركاته ورزقنا في الدنيا زيارتك وفي الآخرة شفاعتك إلهي أمين رب العالمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى