منبر بشائر

الموسى يكشف الحرية الغربية المزيفة ويبين ضوابطها الإسلامية

مالك هادي: الأحساء

“تعتبرُ الحريةُ الشخصيّةُ مطلباً فطريًّا طبيعيًّا مِنْ مطالِبِ الإنسانِ، والتي خَلَقَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ وفطرَهُ عليها، فحاجتُهُ لَها عندَما يفتقِدُها تفوقُ حاجتَه للطعامِ والشرابِ، وقدْ أقرَّها الدينُ الإسلاميُّ الحنيفُ حقًّا مكتسبًا لكلِّ إنسانٍ على وجهِ الأرضِ، إذْ أعطاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ كاملَ الحريةِ في اختيارِ دينِهِ وعقيدتِهِ، كما اختيارِ تصرفاتِهِ وتعبيرِهِ عنْ آرائِهِ” بهذا استهل سماحة الشيخ عباس الموسى حديث الجمعة في مسجد الإمام الكاظم بالحوطة في الأحساء.

وأكد الشيخ الموسى بأن مبدأُ الحريةِ الشخصيةِ في الإسلامِ محكومٌ بضوابِطَ وَمعاييرَ معيّنةٍ لا يجوزُ تجاوزُها أوِ المساسُ بِها، فهي تتقيّدُ بخطوطٍ عريضةٍ لا يجبُ لها أنْ تُمَسَّ كخطوطِ الدينِ، والأخلاقِ، والقوانينِ، وأيضاً حقوقِ وحريّاتِ الآخرينَ.
وأن هذِهِ الضوابطُ تضمنُ السلامَ والأمانَ للنفسِ البشريةِ، فهيَ تضمَنُ عدمَ العبثِ بسلامةِ الفردِ، أوْ مالِهِ، أوْ عرضِهِ في المجتمعِ الإسلاميِّ سواءً مِنْ نفسِهِ أوْ منَ الآخرينَ فالفردُ تحقُّ لهُ ممارسةُ جميعِ حرياتِهِ الشخصيةِ في المجتمعِ ولكنْ في حدودِ نظامِ الشريعةِ، فقال: لقدْ شدَّدَتْ تعاليمُ الدينِ الإسلاميِّ على موضوعِ التعدِّي على ثوابتِ الدينِ والشرعِ ومهاجمتها، أوِ المجاهرَةِ بالفواحِشِ والمعاصِي والعملِ على نشرِها بحجةِ التحررِ الفكريِّ والانفتاحِ، قالَ تعالَى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) [النور:19]، ومِنْ أهمِّ صورِ هذا التعدِّي أنَّ ارتكابَ الفواحشِ والمعاصِي جهراً سيدعُو الكثيرَ مِنَ الناسِ إلى التقليدِ والانسياقِ وراءَها، فتُكسَرُ بذلِكَ حدودُ الأدَبِ وتُنتهَكُ الكثيرُ مِنْ حقوقِ اللهِ والدّينِ.

وعن الحرية الشخصية في الشرائع السماوية والقوانين البشرية قال الموسى: إنَّ الحريةَ الشخصيةَ للإنسانِ حقُّ كفلَتْهُ جميعُ الشرائِعِ والقوانينِ البشريةِ، فيجعلُ الإنسانَ يمتلكُ حقَّ تقريرِ مصيرِهِ، وحقَّ اتخاذِ قراراتِهِ الشخصيةِ، وحقَّ التملُّكِ، وحقَّ الكرامةِ وعدمَ الامتهانِ، وحقَّ التعلُّمِ والتعليمِ، واختيارِ العملِ، والاتصالِ والتواصلِ معَ الآخرينَ، وكذلكَ حقَّ البيعِ والشراءِ، والسفرِ والتنقُّلِ في الأرضِ، وحقَّ اختيارِ المأكلِ والملبسِ، واختيارَ الزوجِ أوِ الزوجةِ، وللتدليلِ على أهميةِ الحريةِ الشخصيةِ وأثرِها على سلوكِ الفردِ والجماعةِ فإنَّ الحريةَ والكرامةَ الإنسانيةَ ليسَتا شيئينِ يَنْمُوانِ بنموِّ الإنسانِ، ولكنَّهُما شيئانِ وُلِدا معهُ وأحسَّ بِهما وكافَحَ مِنْ أجلِهِما وأراقَ دَمَهُ في سبيلِهِما، وقدْ يتطوَّرُ مدلولُهُما ويتقدَّمُ ويتَّسِعُ، وقدْ يتخِذُ أشكالاً متعدِّدَةً، ولكنَّهُما مِنْ حيثُ الجوهرُ باقيانِ خالدانِ.

وقد حذر سماحته مما يتداول من كلمات مثل: (إنَّها حريتِي الشخصيةُ) أوْ (دَعْهُ فهيَ حريةٌ شخصيّةٌ)، فقال: وهذِهِ العبارةُ صارَتْ مبرِّراً لكثيرٍ مِنَ الأفعال في عصرِنا الحاليِّ، فما إنْ تجدُ أحداً يُهاجَمُ على فعلٍ قبيحٍ مِنْ قِبَلِ المجتمعِ إلَّا ويدافِعُ عنْ نفسِهِ بأنَّ هذا الفعلَ “حريةٌ شخصيةٌ”، ويقولُ: (لَمْ أُؤْذِ أحدًا بهذا الفعلِ)، وبالمقابِلِ ترى فئةً أخرى مِنَ المجتمَعِ تدافِعُ عنهُمْ، وتُسهِبُ في شرحِ كيفَ أنَّ عصرَ التحكُّمِ بمعتقداتِ الناسِ قدِ انتهَى، وأنَّ عهدَ التخلُّفِ ما زالَ يُلقِي بظِلالِهِ على زمنِنا هذا، فيدفعُ الناسَ لحشرِ أنوفِهِمْ في أفعالِ الآخرينَ، فنحنُ اليومَ في عصرِ الحريةِ والتنويرِ، فإنْ كانَ فِعلُهُمْ لا يُؤذيكَ فلا يحقُّ لكَ الاعتراضُ عليهِمْ!.

وأورد سماحته ردا على هذه الظاهرة ببيان المفهومُ المغلوطُ للحريةِ الشخصيةِ فقال: ليسَتِ الحريةُ الشخصيةُ حريةً مطلقةً بِلا قيدٍ ولا شرطٍ، بمعنى أنَّ الحريةَ لا تعنِي إطلاقَ العنانِ للشخصِ أنْ يفعلَ ما يريدُ ووقتَ ما يريدُ، وإلَّا لمْ تنضبِطِ الحياةُ العامةُ ولا الخاصةُ ولمْ تستقِرَّ، ولوْ كانَتْ هناكَ حريةٌ مطلقةٌ لكلِّ أحدٍ لكانَتْ هناكَ مفسدةٌ مطلقةٌ،

واستعرض أمثلة عديدة في ذلك فقال: هلْ مِنَ الحريةِ ارتكابُ الفواحِشِ واغتصابُ الفتياتِ في أيِّ وقتٍ؟ لنكونَ كالدولِ الأوربيةِ والأمريكيةِ في إنتاجِ أولادٍ بسببِ العلاقاتِ غيرِ الشرعيةِ، وهلْ سيأتِي اليومُ الذِي نسمعُ فيهِ بصندوقِ الأطفالِ BabyBox الذي باتَ في كلِّ مكانٍ في أميركا وأوروبا، فمتى ما قضَتِ الأمُّ شهوتَها وأرادَتْ أن ترمِيَ ابنَها، فهذا الصندوقُ جاهزٌ لاستقبالِهِ، وذلكَ بعدَ أنْ كثرَتْ حالاتُ رمْيِ الأطفالِ أمامَ الكنائِسِ وقُربَ الحاوياتِ، فأحدَثُوا لَهُمْ BabyBox ليضعُوا الأولادَ فيهِ بدلًا مِنْ رميِهِ هنا وهناكَ، وقدْ كانَتْ أمريكا إلى الأسبوعِ الماضِي تسمَحُ بإجهاضِ المولودِ لتستمِرَّ العلاقةُ غيرُ الشرعيةِ بينَ الناسِ ولا حاجةَ للأولادِ، وما الذي دعاها في هذا الأسبوعِ إلى إلغاءِ حريةِ الإجهاضِ، ومهما فعلَتِ المرأةُ مِنْ فاحشةٍ وحملَتْ بجنينٍ فلا يحقُّ لها الإجهاضُ، فأينَ هيَ الحريةُ في بلدِ الديمقراطيةِ المزعومةِ، فهلْ يُسمَحُ بتكوينِ العلاقاتِ بينَ الشُّبانِ والفتياتِ بِاسمِ الحريةِ الشخصيةِ ونصبحُ كالغربِ في إنتاجِ أولادٍ غيرِ شرعيينَ لا نعلمُ كيفَ ستكونُ نتائِجُ وجودِهِمُ المحرَّمِ؟
وفي الإعلامِ: لماذا حُجِبَتْ بعضُ القنواتِ على وسائِلِ التواصلِ؟ لماذا حُجبتِ المواقعُ الإباحيةُ؟ ولماذا حُجبتْ مواقِعُ التطرفِ والإرهابِ؟ لماذا لا تُتركُ الحريةُ الشخصيةُ لكلِّ أحدٍ في متابعةِ ما يشاءُ؟
إذًا مخالفةُ القوانينِ الوضعيةِ في كلِّ النواحِي السياسيةِ والاقتصاديةِ والثقافيةِ والاجتماعيةِ والمصالحِ العامةِ ليسَتْ حريةً شخصيةً لكلِّ أحدٍ وإلَّا لمَا قامَتِ الدولُ واستقرَّتْ على حالٍ.

وتساءل سماحته: لماذا عندَما تأتِي القضايا الدينيةُ تأتي الحريةُ الشخصيةُ، فخذُوا حالةَ الرئيسِ الفرنسيِّ (ماكرون) حينَ دافعَ عنِ الرسومِ المسيئةِ للرسولِ (ص) بحجةِ أنَّها حريةُ تعبيرٍ، إلَّا أنهُ نفسَهُ رفعَ دعوًى على رسامٍ لأنهُ رسمَهُ بشكلٍ قريبٍ منْ صورةِ هتلَر.
لماذا إذا جاءَتْ مسألةُ الحجابِ قالوا بأنَّها حريةٌ شخصيةٌ، وهيَ مسألةٌ دينيةٌ ووجوبٌ شرعيٌّ؟ فمثلًا يكررونَ: لماذا الإجبارُ على الحجابِ؟ لماذا تُجبرونَ الفتاةَ الصغيرة على الحجابِ وهي ابنتُ عشرِ سنواتٍ، بلْ وحتَّى الكبيراتِ لماذا الإلزامُ بالحجابِ؟ لماذا لا تُتركُ الحريةُ الشخصيةُ في ذلكَ؟ وردًّا عليهِمْ نقولُ: هلْ تقبلونَ بأنْ تتعاطَى البنتُ الصغيرةُ ابنتُ عشرِ السنواتِ الكحولَ والمخدِّراتِ والتدخينَ؟ هلْ تقبلونَ أنْ تَسهَرَ بالليلِ؟ هلْ تقبلونَ أنْ تعملَ صداقاتٍ معَ كبارِ السنِّ وهيَ صغيرةٌ وتخرجَ معهَمُ في كلِّ مكانٍ؟ هلْ تقبلونَ لها حريتَها الشخصيةَ لوْ أرادَتْ تركَ الدراسةِ وعدمَ الاهتمامِ بالعلمِ، هلْ تقبلونَ للبنتِ أنْ تخرُجَ عاريةً في الشوارِعِ؟ أوْ أنكمْ تقفونَ أمامَ كلِّ هذِهِ الأمورِ وتجبرونَها على الخلافِ، ولماذا لا يكونُ الحجابُ كذلكَ؟

وتطرق الشيخ الموسى إلى الحريةُ بشرطِ عدمِ الضررِ، فقال: يروجونَ دائمًا أنَّ الحريةَ مرهونةٌ بعدمِ الضررِ للآخرينَ، يقولونَ: (المرءُ حرٌّ ما لمْ يَضُرَّ)، ولكنَّ السؤالَ الذي يطرحُ نفسَهُ هُنا، مَنْ يحدِّدُ ما إذا كانَ هذا الفعلُ ضارًّا أمْ لا؟ وماذا إِنِ اختلَفَ الناسُ فيهِ، فقسمٌ يراهُ ضارًّا وقسمٌ يراهُ غيرَ ذلكَ؟ وماذا إنْ كانَ هذا الفِعلُ ضارًّا على المدَى البعيدِ، إلَّا أنهُ الآنَ يبدُو لناظريهِ غيرَ مضرٍّ.

وبين أنَّ للإنسانِ حريةً معينةً، ولكنْ في بعضِ الأحيانِ يكونُ الضررُ عليهِ هوَ، وأن الآثارَ الناتجةَ مِنْ بعدِ ذلكَ تعودُ على الآخرينَ، على مَنْ حولَهُ، فمثلًا الذي يَزنِي لا يَقِفُ أثرُ ضررِ جريمتِهِ عندَ حدِّهِ.. فالزِّنا مصدرٌ موبوءٌ بأخطرِ الأمراضِ الجسديّةِ الفتّاكةِ، وسببٌ في إيجادِ الأبناءِ غيرِ الشرعيينَ الذينَ يُولَدونَ ولا يَجدونَ الأبَ ولا العائلةَ التي تَحنُو عليهِمْ فيعيشونَ حياةَ التشرُّدِ والضياعِ والإجرامِ.
ونزعُ الحجابِ مِنَ الفتاةِ بأيِّ طريقةٍ قدْ يُقالُ إنَّ ذلكَ راجعٌ لها، إلا أن الضررُ لا يعودُ عليها فقطْ بلْ على العائلةِ والأبوينِ، ويُصبحُ الحديثُ عنهُما وعدمُ تربيتِهِما للفتاةِ ويَسقطونَ منْ أعينِ الناسِ، بالإضافةِ إلى تقليدِ الفتياتِ الأخرياتِ لها وتكونُ مبدَأَ المفسدةِ لهنَّ وانتشارَ التحللِ مِنْ خلالِ تجرُّئِها على ذلكَ.

ووجه الشيخ الموسى نداء إلى كافة شرائح المجتمع بأن يعوا مفهوم الحرية الشخصية فقال: لأنَّنا نعيشُ واقعًا صعبًا على أجيالِنا مِنْ جهةِ الغزوِ الثقافيِّ فعلينا أنْ نتحرَّكَ بوعيٍ لمواجهةِ ذلكَ، وأخطرُ الأمورِ اليومَ الدعوةُ للشذوذِ الجنسيِّ وما يسمونَهُ المثليةَ مِنْ شركةِ دِزني لإنتاجِ الأفلامِ والمسلسلاتِ، المثليةُ تعنِي الشذوذَ الجنسيَّ، تعنِي العلاقةَ الجنسيةَ بينَ نفسِ الجنسِ، بينَ الرجلينِ، وبينَ الامرأتينِ، وتريدُ شركةُ دزني غزو العالَمِ وخصوصًا المسلمينَ في ذلكَ عبرَ إعطاءِ الإيحاءاتِ الجنسيةِ مِنْ خلالِ أبطالِ المسلسلاتِ والأفلامِ الكرتونيةِ، ولأنَّ أطفالَنا يعشقونَ الأبطالَ ومتعودونَ على مشاهدتِهِمْ، ويحاولونَ تقليدَهُمْ، فبثُّ مثلِ هذهِ الأمورِ تساهِمُ في تكوينِ علاقةٍ بينَ الرجلينِ، مِنْ خلالِ كلماتِ الحبِّ بينَ الرجلينِ، وتبادُلِ القُبُلاتِ بينهُما، وعندَما يستشعِرُ الطفلُ والطفلةُ طبيعيةَ هذهِ الأمورِ فإنهُ يحاولُ تطبيقَ ذلكَ في مجتمعِنا، ومِنْ ثَمَّ تكونُ علاقاتٌ غيرُ شرعيةِ شاذةٌ كاللواطِ والسحاقِ لإشباعِ الشهواتِ والغرائزِ الجنسيةِ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى