أقلام

تتعافى الأرواح بالأيام

سهام طاهر البوشاجع

جديرة هي الأيام أن تمر سريعًا تطوي بعضها بعضًا، فما إن يأتي الصباح مشرقًا بشمسه الدافئة، حتى ترى آثار حمرتها في أطراف السماء ،منذرة بوقت أفولها، حدث يجر حدثًا، ومواقف تتعثر أمام عقد أعدت لها متكأً بين أسطر الحياة.
الألم الذي يأبى إلا أن يلازمك منذ لحظة إعلانه للتمرد والعصيان، وإصراره على أن يتربع صدرك في ذلك اليوم، هل تراه يعتريه الخوف من الوقت، أم هل يأبه للزمان؟
هل يحسب مدة إقامته في صدور البشر، هل له فترة نهاية يحاسب عليها بغرامة لو تجاوزها؟
وحش كاسر ينهش في الأرواح دون رحمة أو تردد، لا يثنية حال ضعيف أو جسد خاوٍ، ولا يهمه في أي روح ولج، حتى يعشعش فيها مدة تروق له.
النهايات الحزينة لعلاقات دامت طويلًا، ظن أصحابها انها ستدوم مدى الحياة، وفجأة توقفت عن النبض، فكم هي مؤلمة ساعات احتضارها.
الخسارة الفادحة من مشاريع أعد لها أصحابها دراسات جدوى ومعدلات أرباح سنوية، تفغر الأفواه لو تحققت، وتدفئ أرصدة البنوك لو استمرت، مؤلمة حين تعلن عن نفسها في منتصف الطريق، وتفرض بقاءها للأبد.
الفقد، الذي لا يمتلك له الإنسان قوة لعدم حدوثة ولا استسلام لتقبله، يؤلم الأرواح والقلوب والعقول معا، ينشر ذكريات الفقيد في كل زوايا حياة الباقين من بعده، يلازمهم ألم الرحيل، وتخيفهم قائمة الأسماء المتبقية، على من الدور القادم؟
الفشل في الدراسة، في العمل، في الحب، في كل محاولات الإنسان للوصول إلى النجاح الذي لطالما سعى إليه بمال أو عتاد، يحطم الطموح، ويكسر العزائم، ويقود إلى مهاوي الاستسلام، مؤلم أن يعيشه الإنسان دون أن يرى بصيص أمل.
كثيرة هي خيبات الظنون، وزلات الأقدام، وتحطم الأماني، وقلق الأرواح، ولكن النور لا يخفيه غربال، فالشمس تشرق كل يوم، واليوم يبدأ منذ الفجر الصادق، وعجلة الحياة تبدو مستمرة.
تتعافى الأرواح المتألمة بالأيام، وتدمل كل جراحها بجرعات الأمل، وبالقليل تتداوى حتى تتشافى.
فلا حال من الألم يدوم، ولا حال من اليأس يبقى، ولا ضيق إلا أتبعه فرج.
هكذا تعلمنا في المدارس بين دفات الكتب، ومن مواقف الحياة الكثيرة، ومن سير الناس القدامى، وحكايا الجدات، وحكم العلماء.
ولأبي تمام أبيات في الحزن يقول فيها:

مُرَتِّبُ الحُزنِ في القُلوبِ
وَناصِرُ العَزمِ في الذُنوبِ
ما شِئتَ مِن مَنظَرٍ عَجيبٍ
فيهِ وَمِن مَنطِقٍ أَريبِ
لَمّا رَأى رِقبَةَ الأَعادي
عَلى مُعَنّىً بِهِ كَئيبِ
جَرَّدَ لي مِن هَواهُ وُدّاً
صارَ رَقيباً عَلى الرَقيبِ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى