أقلام

من هو والد السيد علي الناصر؟ .. المرجع الذي كان مقلديه بين ايران والعراق والخليج

كمال الدوخي

حديث الساعة من حولي عن تكريم سماحة العلامة السيد علي السيد ناصر السلمان، تلك الشخصية الشجاعة في آرائها، والواثقة من خطاها، والجريئة في مواقفها، لتملك كافة مقومات الزعامة الدينية والاجتماعية.

لهفة الناس لسماحة السيد غير مستغربة، والذي هو امتداد لوالده المرجع الديني الكبير السيد ناصر الأحسائي. شخصية السيد وآراؤه ومواقفه جذبت الأنظار إليه، فتلك الشخصية لها امتداد أخرج لنا شخصية محورية على مستوى الطائفة الشيعية.

فوالد سماحة السيد علي، المرجع الديني الكبير آية الله السيد ناصر الأحسائي المقدس، ابن المرجع الكبير آية الله السيد هاشم آل سلمان الموسوي، سلالة علمية وعلمٌ امتدادًا لأعلام.

سماحة السيد ناصر الأحسائي المقدس -ناصر الدين- كان من المجتهدين الكبار، فقد أجازه أساتذته وعلى رأسهم أستاذه شيخ الشريعة الأصفهاني، والشيخ آقا ضياء الدين العراقي، والشيخ مهدي المازندراني، والسيد الخونساري والمرجع النائيني.

فقد تصدى للمرجعية بعد وفاة الشيخ الخاقاني لمدة 18 عامًا لأهل الأحساء، بل لأهل الخليج وجنوب العراق وغرب إيران.

كان يقيم في الأحساء آنذاك ويخرج منها مراجع الطائفة، وكان امتداد مرجعيته أوسع من مرجعية والده آية الله السيد هاشم الموسوي الأحسائي الذي كان مرجعًا للأحساء والخليج.

وذكر الشيخ محمد تقي الفقيه العاملي في كتابه (حجر وطين) : (العلامة السيد ناصر كان زعيمًا دينيًا في الأحساء، وكان له مكانة في وقته، وكان الملك عبدالعزيز آل سعود يُعَظّمُه، وكان يحضر مجلس العلامة محمد تقي العاملي وكان فصيح اللسان جهوري الصوت … كنت مرة في كربلاء في إحدى الزيارات العامة في بيت المرجع الوحيد في ذلك الزمان، السيد أبي الحسن الأصفهاني، وكان الديوان داخلًا وخارجًا مكتظًا بالناس، وكان مجلسي قريب من السيد، فجاء بعض خاصته وأخبره بمجيء السيد ناصر الأحسائي، فقام من مجلسه كأنما نشط من عقال، وهبَّ مسرعًا لاستقباله، فأسرع السيد ناصر وأسرع (السيد أبو الحسن)، فتعانقا في منتصف الغرفة، وكان السيد لا يقوم لأحد تقريبًا لكثرة أشغاله وكثرة الوافدين، وكان جلُّ إكرامه لمن يستحق الإكرام، …. وقد لفت انتباهي هذا الحادث، فسألت عن السيد ناصر بعد ذلك، فقيل لي هو المرجع الديني للشيعة في الأحساء).

كان السيد ناصر والد سماحة السيد علي عالمًا زاهدًا ورعًا، بل لم يكن يستلم الأموال الشرعية، وإنما يبعثها لخيرة الأعلام مباشرة لتصرف في أوجه صرف الخمس. وكان ممن يشجع التجار على البذل، ولا يقبل دعواتهم قبل دفع الأموال الشرعية لمستحقيها، وتوجيهها لرجال الدين الذين كان يستقبلون أهل الحاجة في بيوتهم، إلا أنه يأبى أن يستلمها بنفسه.

وقد واجه آنذاك مصاعب جمة في الأحساء، و واجهها بكل شجاعة دفاعًا عن الدين حتى سمي بـ (ناصر الدين)، وقد لا يسع الحديث لذكر الحادثة التي حملته على الهجرة للعراق، ولكن الملك عبدالعزيز استطاع بفطنته أن يستوعب الحدث بعد دعوته له خلال موسم الحج.

وقال السيد محمد حسن الشخص في كتابه (الذكرى): (( فإنه من الجلي الواضح أن تغدو حياة السيد (ناصر) مجموعة من الخلال السامية والسجايا الحميدة، فكرم النفس وسماحة الخلق والجرأة في الحق والزهد في المادة بعض من جلیل صفاته وقليل من كثيرها، ثم هو من وراء ذلك كله متواضع جم التواضع يتصل بالصغير والكبير فيسبغ على الأول حنانًا دونه حنان الآباء لأبنائهم ويخلع على الثاني أصفى وأطهر ما يحمله في قرارة نفسه من حب وعطف على هذا النحو العالي من الأخلاق، قضى السيد حياته وأنهى عمره، فكان من الطبيعي أن تلتف قلوب الناس حوله، وأن تنجذب نفوسهم نحوه، ويكون هو بدوره موضع ثقتهم ومرجع أمورهم يقضي بالحق والعدل ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر دون أن يدخر في سبيل ذلك وسعًا أو جهدًا) وبينما كنت أقرأ هذه السطور من موسوعة العلامة السيد هاشم الشخص حفظه الله، لا أعلم إن كان المقصود السيد ناصر أم ابنه السيد علي، إنه ابن أبيه بلا شك.

كان في كل عودة له إلى الأحساء من رحلاته العلمية يستقبله الأهالي بالاحتفالات، ويلقي الشعراء القصائد في مديحه، وله شعبية وحب من الناس منقطعة النظير. وعندما تقرأ سيرة ذلك العلم والمرجع الشجاع في الحق -ناصر الدين- تتجلى أمامك كثير من المواقف التي أعادها الزمن في شخصية ابنه السيد علي، في آرائهما الدينية الجريئة التي لا يأبهان لزعامتهما لأجل التصريح بها، ومواقفهما الاجتماعية والسياسية، وحب الناس لهما والتفافهم حولهما، وتكريم الناس لهما ومحبتهم.

ولعل سيرته لا يمكن حصرها في مقال، ومؤلفاته التي من أهمها: (رسالة في الأصول)، (رسالة في العقائد)، (الرسالة العلمية الصغرى)، (الرسالة العلمية الكبرى)، (أرجوزة في أحكام المواريث)، (منظومة في الفقه)، (منظومة في أصول الدين)، (شرح كتاب التبصرة) وغيرها.
تتلمذ على يديه عدد من الأعلام، أمثال محمد رضا كاشف الغطاء، والشيخ عبدالكريم الممتن، والشيخ محسن الفضلي، والشيخ حسين الخليفة، والشيخ عبدالكريم الفرج والشيخ محمد علي الخنيزي، والشيخ محمد علي الجشي، بل كما قال الشيخ جعفر النقدي (فإن أكثر طلبة العلم من البحرين والقطيف والأحساء وغيرهم من العرب والعجم تتلمذوا على يده). وترجم له عدد من الأعلام وكتب في مديحه ورثاءه أعلام الشيعة.

وفي اليوم الثالث من شوال عام 1357هـ، الموافق 25 نوفمبر 1938م نادى المنادي في الأحساء بوفاة السيد المقدس في مدينة المبرز، بعد عمر قضاه في خدمة الدين ونصرته، ليخرج أهالي الأحساء في حزن وبكاء وجزع، وأقيمت له مجالس العزاء في الأحساء والقطيف والكويت وإيران والعراق ورثاه العالم الشيعي بأسره، وامتلأت الكتب بقصائد الرثاء من أعلام وأدباء الطائفة، وقد جمع العلامة السيد هاشم الشخص الكثير مما كتب في مديحه ورثائه بكتابه عنه.

وعن سيرة جد سماحة العلامة السيد علي الناصر، آية الله السيد هاشم الموسوي الأحسائي -لعل ذكره يأتي في مقال قادم- إلا أن أي تكريم لسماحة السيد علي نجل المرجع المقدس السيد ناصر نجل المرجع السيد هاشم، هو تكريم للتشيع في المنطقة وتاريخها، نسأل الله أن يمتع سماحته بالصحة والعافية ليكمل المسيرة، فحضوره بيننا هو تكريمٌ لنا وليس له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى