أقلام

استنفار خاطيء يسبق موجة الاختبارات

السيد فاضل آل درويش

ونحن على مشارف فترة الاختبارات والإعداد لمذاكرة مختلف المناهج لأبنائنا، دون شك أن الأمر يحتاج إلى بذل جهد من الأسرة قبل أبنائهم وذلك أننا نركز على محتوى المادة وفهمه أو حفظه بأية طريقة من الطالب، ولو أدى ذلك إلى تحويل المنزل إلى جو صاخب مملوء بالصراخ والعنف اللفظي مما يولد ضغطًا نفسيًا على الأبناء ويأتي بنتائج عكسية، فالأجواء المناسبة والهادئة عامل رئيس في صفاء الذهن وبعده عن التشتت والتشوش، فمهما كان مستوى الطالب عاليًا فإنه لا يستطيع التركيز في المذاكرة مع وجود مثل هذه الأجواء الملبدة والمشحونة، ولا نعنى بكلامنا هذا ذلك الاتجاه نحو المنحى الآخر الخاطيء وهو إهمال رعاية الأبناء وعدم التواجد معهم في مثل هذه المرحلة الحساسة، فالدعم النفسي والتشجيعي يشكل دافعًا قويًا نحو المذاكرة الجادة.

وهنا نؤكد على أمر مهم يتعلق بالعلاقة بين أولياء الأمور وطاقم التدريس والإدارة للتآزر في إيصال الطلاب لمستويات التفوق، وذلك لاستكشاف قدرات ومهارات الطالب وتلك المعوقات والمشاكل التي يعاني منها، فالعمل المشترك بين الأسرة وطاقم التدريس سيعطي نتائج جيدة وحلولًا ممكنة ومرضية.

من منا لا يرغب في رؤية شخصية طفله تمتاز بكل المؤهلات والقابليات التي تجعل منه فردًا متكاملًا في فكره وسلوكه وطريقة تعامله مع الآخرين، ويحذونا الأمل باستماع أفضل كلمات الثناء والتبجيل له من معلميه وهم يشيدون بمستواه المدرسي وأخلاقه العالية وخلوه من السلوكيات المشينة منطقه وتصرفاته، ولكن هذا الهدف لا يتحقق من فراغ بل يحتاج إلى تفعيل وتنشيط العوامل المؤثرة على شخصيته ودمج عملها والتكاتف بينها،

هل تشكل العلاقة بين المعلم وولي أمر الطالب أمرًا مهمًا له دوره الوظيفي في تعزيز قدرات الطالب وتوجيهه نحو النجاح والتميز، أم أنه يعد أمرًا ثانويًا وعاملًا غير مهم في تقدم الطالب، فالعامل المهم في نجاح وتميز الطالب – كما يظن – هو مدى استيعابه لشرح المعلم وجديته في المذاكرة؟

للإجابة على هذا التساؤل لا بد من الإشارة لمقدمة نفصح بعدها عن الإجابة، وهي شخصية الإنسان في أبعادها المتعددة لا تتعلق بجانب العقل ومدركاته ومستوياته من الفهم والحفظ والاستنتاج وغيرها، بل هي شاملة للبعد العقلي والنفسي والاجتماعي والسلوكي والعاطفي، وأي إهمال وتجاهل لتنمية أحد هذه الجوانب في شخصية الإنسان وحرمانه من إشباعها سيؤدي إلى خلل في شخصيته، فإننا نرى اليوم العلماء يقسمون الذكاء إلى ذكاء دراسي وعاطفي واجتماعي واصطناعي وغيرها، وهذا مما يدل على فهم شامل لهذا المفهوم وعلاقته بالشخصية، ومعنى ذلك أن الاهتمام والتركيز على الجانب الدراسي وتحقيق الدرجات العليا دون التركيز على الجوانب الأخرى في شخصيته يعني وجود خلل فيها، وبالتالي فإن الحرمان العاطفي الذي يعاني منه الشاب أو الفتاة في محيطه – مثلًا – سيؤثر بالتأكيد على الجانب الوجداني عنده ويشعر بالنقص أمام أقرانه الذين يتفاخرون بحب والديهم واهتمامهم بهم، وبالتأكيد أن الحالة النفسية السيئة عنده تلقي بظلالها الثقيلة على تركيزه الذهني وتفرز الضعف في علاقاته بالآخرين مستقبلًا، مما يشكل معرقلًا أمام بناء مستقبل زاهر ينعم فيه بنفس سوية، وأما مستقبله الأسري والاجتماعي فلا نتصور فيه هذا الطالب المحروم عاطفيًا والمهمل عن الرعاية الأسرية – في معظم الأحيان – أن ينعم أفراد أسرته ومن حوله بمن يغدق عليه بالمشاعر الفياضة.

والمشاكل السلوكية التي تبرز في تصرفات وتعامل الطالب تشكل النواة لما سيكون عليه محددات شخصيته مستقبلًا، ومتابعتها ومعالجتها في بداية ظهورها سيكون سهلًا قبل أن تتجذر وتصبح سلوكيات شبه مستدامة، وهذه المهمة تعد تآزرية بين هيئة التعليم حيث يقضي الطالب وقتًا بينهم يرون تصرفاته وطريقة تعامله، وبين الأسرة التي تعد المهد والموجه له والمعد له بتعويده وتربيته على السلوكيات والتصرفات التي تجعل منه شخصية مقبولة ومحبوبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى